الرئيسيةمقالاتقلوب تكتبها الجراح..بقلم: مستشار محمود السنكري 
مقالات

قلوب تكتبها الجراح..بقلم: مستشار محمود السنكري 

قلوب تكتبها الجراح..بقلم: مستشار محمود السنكري 

قلوب تكتبها الجراح

بقلم: مستشار محمود السنكري 

ليست القلوب دفاتر فحسب بل أرواح تسطرها التجارب. نولد بصفحة بيضاء تملؤها البراءة ثم تأتينا الأيام بأقلام قاسية تكتب فوق ملامحنا ما لم نختره وتمنح قلوبنا نصوصًا من الألم لا تمحى بسهولة.

فكل جرح هو سطر جديد وكل خيبة فصل يضاف في كتاب العمر حتى تغدو قلوبنا مكتبات مكتظة بحكايات الصمت ورفوفًا من ذكريات لا تستطيع الشمس إضاءتها.

في ليل الحياة الطويل وحدها القلوب المجروحة تعرف حجم العتمة. تلك التي ذاقت الخذلان مرارًا وعرفت أن الطرق التي تمتلئ بالحب ليست دائمًا آمنة فقد يكون فيها منحدر خفي يقود إلى هاوية بعيدة،

ومع ذلك فإن هذه القلوب رغم نزيفها تملك سرًا يعجز الفلاسفة عن تفسيره إنها تتشبث بالحياة كزهرة تنبت فوق صخر تصر أن تتفتح ولو تحت فأس الريح.

الجراح تهذب أرواحنا بطريقة لا يفهمها إلا من عبرها فهي تسقط عنا الزيف وتكشف لنا وجوهًا تحسن التخفي خلف الأقنعة، تعلمنا كيف نختار من يقرأ كتاب قلبنا ومن لا يستحق المرور على العنوان ،

تمنحنا صلابة لا تشبه القسوة ورقة لا تشبه الانكسار ، تجعلنا نحب بحذر ونعطي بوعي ونتقن فن الصمت حين تصبح الكلمات خناجر تطعن قبل أن تواسي.

ما أعجب تلك القلوب! كلما أنهكها الألم ازدادت نقاءًا وكلما ضاقت بها الأحزان أبحرت في خيالها تبحث عن مرفأ ، هي تعرف أن خلف من كل جرح حياة وأن النزيف آخر الطريق ليس إلا بداية لشفاء جديد. لذلك تمضي صامتة تنفض عن صفحاتها غبار الماضي وتكتب من وجعها درسًا لبدايات أعمق.

ومن أعظم ما نتعلمه من القلوب التي كتبتها الجراح أنها لا تكره أحدًا حتى أولئك الذين كانوا سببًا في وجعها. إنها تسامح ليس ضعفًا بل لأنها أدركت أن الكراهية عبء يزيد النزف وأن الحب حتى في أشد لحظاته رهقًا قوة تحيا بها الأرواح، إن العدو الحقيقي لتلك القلوب ليس من جرحها بل من حاول أن يقنعها بأن الألم نهاية كل شيء.

فلنرفع رؤوسنا عاليًا فما نخفيه في أعماقنا ليس العطب بل الشجاعة، وما نكتمه خلف ابتسامات متعبة هو انتصار صغير على الحياة لا يراه إلا قلب جبل على الصمود ولتكن جراحنا أقلامًا لا أغلالًا نكتب بها قيمتنا لا قصاصات حزن عابرة فالتي صاغها الألم لن يهزمها ألم آخر.

هكذا تستمر القلوب في الكتابة حتى آخر نبضة تروي للعالم أن خلف كل ندبة حكاية صمود وخلف كل دمعة شاعر صامت يخط على جدار الروح

قد توجعنا الحياة لكننا لا ننهمزم..لا ننكسر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *