لا تحاكم ذاتك أمام محكمة النقص بقلم مستشار محمود السنكري
في عالم لا تتكافأ فيه العيون ولا تتساوى البصائر يولد التقدير ناقصًا حين يُطلب من عين لم تكتمل أن تُدرك الآخر.
هناك من لا يرى إلا بقدر ما يسمح له عجزه ومن يعادي الاكتمال لأنه لم يتصالح يومًا مع نقصه ،
الناقص لا يراك كما أنت بل كما يطيق هو أن يراك فيقيسك بشروخه ويفسّرك بحدود عالمه الضيق.
النقص ليس خللًا أخلاقيًا بقدر ما هو مأزق وجودي. فالشخص الذي عجز عن مواجهة فراغه الداخلي حوّله إلى عداء لكل امتلاء وهو لا يهاجمك لأنك مخطئ بل لأن حضورك يفضح ما حاول إخفاءه طويلًا ، انتظار الاعتراف منه هو وقوف أمام باب لا يُفتح واستنزاف لا يليق بمن أدرك قيمته.
العقول المحدودة لا تخطئ التقدير فحسب بل تعيد تعريف القيم بما يناسب ضيقها فتجعل العمق تهمة والارتقاء استفزازًا ، أما من بلغ وعيه بذاته فقد حرر قدره من أعين الآخرين،
فالقيمة ليست منحة خارجية بل حقيقة تُنتزع في لحظة الصدق مع النفس حين تقف بلا أقنعة ولا مساومة على وهجك ولا تُرهق روحك بمحاولة إقناع من لم يُنجز صراعه مع ذاته.
من لم يحسم معركته الداخلية يجعل من الآخرين ساحة تعويض ومن لم يعرف قدر نفسه يعجز عن إدراك قدر غيره ، انتظار التقدير من عين قاصرة هو تعليق للقيمة على وعي مشلول واختزال للذات في مرآة مشروخة ، وأنت حين تفعل ذلك تتنازل عن سيادتك الداخلية وتسمح للنقص أن يُملي عليك تعريفك.
الحقيقة أبسط وأقسى في آن واحد: القيمة التي تحتاج شاهدًا خارجيًا لتثبتها ليست قيمة راسخة بل هشاشة مؤجلة، من أنجز معرفته بذاته لا يستمد معناه من تصفيق الآخرين ولا ينهار بصمت لأن ميزانه لم يُصنع في الخارج بل ترسخ في الداخل حيث لا تصل أيدي الناقصين ولا أحكامهم المرتبكة.
امضِ كما أنت.. كاملًا في عينك صافيًا في وعيك ثابتًا في موضعك ولا تلتفت لمن لم يرَ إلا بقدر ما يسمح له نقصه.
فالعالم لا يضيق بك بل يضيق عنك حين تحاول أن تُرى بعيون لا تعرف الاتساع وأنت أوسع من أن يُقزّمك ناقص وأعلى من أن تُقاس في عالم لا يرى إلا نصف الضوء.