تأخر المرحلة الثانية من الاتفاق يعمّق الأزمة الإنسانية في غزة
عبده الشربيني حمام
رغم توقف العمليات العسكرية في قطاع غزة، لا يزال تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار متعثرًا، في وقت يترقب فيه السكان أي تحسّن ملموس بعد عامين من الدمار المتواصل.
ومع استمرار الجمود، تتسع دائرة الاتهامات المتبادلة بين حماس وحكومة الاحتلال بالتلكؤ وإطالة أمد المفاوضات، حيث تواصل سلطات الاحتلال تشديد القيود على دخول المساعدات وتقليص الحركة عبر المعابر، ردًا على عدم إحراز حماس تقدّمًا في ملف تسليم جثمان آخر رهينة.
وفي ظل المنخفض الجوي الشديد الذي يضرب غزة منذ أيام، تتواصل الظروف المعيشية في التدهور، إذ يؤكد السكان أن الهدنة لم تُحدث تغييرًا يذكر في حياتهم اليومية؛ فما تزال الكهرباء شحيحة، والمستشفيات تعمل فوق طاقتها، فيما لا تصل المساعدات الإنسانية بالكميات المطلوبة.
ويقول المحلل السياسي الفلسطيني حسن سوالمة إن حركة حماس بدأت تخسر ما تبقّى من رصيدها الشعبي الذي تراجع خلال العامين الماضيين، في ظل اتهامات متزايدة للحركة بالتركيز على المسارات السياسية بينما يعاني الفلسطينيون للحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية. ويرى سوالمة أن الشارع الغزّي ينتظر من قيادة الحركة توحيد القرار بين الداخل والخارج، وتسريع تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق برعاية أمريكية، مع إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية العاجلة لإتاحة بدء التعافي وإعادة بناء الواقع المنهك.
كما يشير مسؤولون محليون إلى أن عشرات الشاحنات تبقى عالقة لفترات طويلة في انتظار الموافقات من جانب الاحتلال، وهو ما يعطّل خطط الإيواء وترميم البنى التحتية الأساسية. فيما يحذر مراقبون من أن تأخر إدخال الوقود ومواد البناء والدواء سيجعل مرحلة التعافي الأولي شبه مستحيلة، في حين تؤكد الأونروا أن استمرار القيود “يبقي الغزيين تحت وطأة أوضاع إنسانية كارثية” ويزيد من مخاطر الأمراض ونقص الغذاء مع اقتراب الشتاء.
وفي سياق موازٍ، تواجه حماس ضغوطًا داخلية متصاعدة، بعدما أعلنت جماعات مسلحة صغيرة تعمل في المناطق التي ينتشر فيها الاحتلال أنها تخطط لمواصلة القتال ضد الحركة رغم مقتل أبرز قادتها أخيرًا. ورغم محدودية تأثير هذه الجماعات، يرى محللون أن وجودها يشكل تحديًا إضافيًا لحماس التي تحاول إعادة تثبيت سيطرتها الأمنية بعد حرب أثقلت كاهلها عسكريًا وتنظيميًا.
وفي وقت تسيطر فيه حماس على أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان، يبسط الاحتلال نفوذه على أكثر من نصف مساحة القطاع، وهي مناطق تتحرك فيها الفصائل المناوئة للحركة بعيدًا عن سلطتها. ومع بطء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق وغياب مؤشرات على انسحاب إضافي لقوات الاحتلال، تتزايد المخاوف من أن يصبح الوضع الحالي حالة ممتدة لسنوات.
وبحسب الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة، شملت المرحلة الأولى وقف الأعمال القتالية وتبادل الرهائن والمعتقلين وانسحاب قوات الاحتلال من المناطق المأهولة، إضافة إلى توسيع دخول المساعدات. لكن سلطات الاحتلال تقول إنها لن تنتقل إلى المرحلة الثانية قبل استلام جثمان الرهينة الأخير.
وتتضمن المرحلة الثانية نزع سلاح حماس وتشكيل قوة دولية لمراقبة وقف إطلاق النار، إلى جانب لجنة تكنوقراط فلسطينية لإدارة شؤون القطاع اليومية تحت إشراف “مجلس سلام” يُفترض أن يترأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبينما تستمر الخلافات بشأن هذه البنود، يتصاعد القلق من أن يؤدي تأخر الانتقال إلى المرحلة الثانية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. ويطالب جزء من السكان بترتيبات جديدة تضع احتياجاتهم الأساسية فوق الحسابات السياسية والعسكرية، معتبرين أن استمرار الجمود — سواء بفعل حماس أو الاحتلال — يعطّل إعادة الإعمار ويطيل أمد المعاناة.
وكشف ترامب في 30 سبتمبر الماضي أن مبادرته لإنهاء الحرب تقوم على إنشاء هيئة دولية يشرف عليها شخصيًا لإدارة القطاع وتمويل إعادة الإعمار بشكل مؤقت، تمهيدًا لتسليم السلطة لاحقًا إلى إدارة فلسطينية جديدة من التكنوقراط غير المنتمين لأي من الحركتين الكبيرتين.

