
تجاربي مع الناس وخبرتي معهم ،صنعت من قلبي قلبًا لا يُخدع بسهولة، ومن عينيّ عينين تُبصران خلف الملامح، ولا تنبهران بالبريق..
تعلمتُ ألّا أنبهر بالناس، وألّا أَعجب لمظاهر لا جوهر فيها، فالجاذبية في أحيان كثيرة قناعٌ خادع، وبعض الابتسامات تقبع خلفها وِديانٌ من الخذلان..
تعلمتُ أن أجمل الوجوه قد تُخفي أبرد الأرواح، بينما أدفأ القلوب تمتلك وجوهًا باهتة، وملامح شاحبة، مطفأة، متعبة، لا تُحسن التجمُّل، ولا تُجيد ارتداء الأقنعة، ولا تعرف كيف تُزيّف انكسارها، ولا تملك كثيرَ كلام، لكنها مع ذلك كلّه، تفهمك من أول وجع، وتربّت على روحك دون أن تلمس جراحك، وتحبك دون شروط، دون حساب، ودون انتظار مقابل..
تعلمتُ ألّا أُقدّس أحدًا، وألّا أُعلي من شأن أحدٍ حتى يُثبت لي أنه يستحق أن يُرى من علٍ، وألّا أضع تاجًا على رأسِ من لم يُثبت لي أنه جديرٌ بالتتويج..
لم أعد أبحث عن الكمال في أحد، فقد أدركت أن الكمال خرافة نعلّق عليها خيباتنا، فلا أحد يأتي دون عيوب، ولا قلب يخلو من شروخ، ولا روح لم تعبرها خيبة، وأننا نحن من نُحمّل الآخرين وِزر توقّعاتنا العالية..
لم أعد أبحث عمن لا يعترف بنقصه، بل عمن يُجيد الاعتذار، ويعرف كيف يُرمم ما يَكسر، عمن يُحب بصدق، حتى وإن تعثر، حتى وإن خذل، لكنه يعود ليُصالح، ويُصافح، ويُرضي، ويرضى..
صرتُ أبحث عن الحقيقة وإن كانت موجعة، وعن الوضوح ولو لم يكن مدهشًا، وعمن لا يخجل من ضعفه، ولا يُخفي ارتباكه، ولا يتصنّع المثالية، وعمن لا يتفنن في نسج البريق..
بِتُّ أبحث عن الصدق، عن الطيبة، عن الأمانة في القول والفعل، عن الراحة وشعور السلام في الرفقة، وعن القلوب التي لا تُجيد الخداع، حتى وإن كانت بسيطة، حتى وإن كانت مكسورة، حتى وإن كانت تُخطئ أحيانًا في التعبير، لكنها لا تُخطئ أبدًا في النية..
صنعتْ تجاربي مع الناس من قلبي قلبًا يُقدّر القليل الصادق، ويتجنّب الكثير الزائف، قلبًا يعلم أن الصدق والوضوح أغلى من مرافقة من يُربك روحي بزيفه أو يُشوّش على بصيرتي!