مواهب النايل

محمد أكسم يكتب: علياء والكفيف

محمد أكسم يكتب: علياء والكفيف

 

 

كانت علياء تعمل في مقهى صغير في أحد شوارع المدينة الهادئة,

تحب رائحة القهوة وتجد في المكان ملاذًا يخفف عنها متاعب الأيام,اعتادت إنها تصل قبل الجميع كل صباح، تنظف الطاولات، وتشغل موسيقى الهادئة، وتعد الأكواب بابتسامتها هادئة التى لا تفارق وجهها.

لكن في أحد الأيام، لاحظت شيئا غريبا على الطاولة القريبة من النافذة، وجدت ورقة مطوية ، مكتوب عليها بخط أنيق

“صباحكِ أجمل من رائحة البن.. لولاك ما كانت للقهوة طعم”

تلفتت حولها يمينا ويسارا متعجبة من كتب هذه الكلمات؟ ومتى وضعت على الطاولة؟

ظنت أن أحد الزبائن يمزح أو يحاول لفت انتباهها، فابتسمت ومزقت الورقة بخفة.

في اليوم التالي، وجدت ورقة جديدة في نفس المكان

لا أراكِ كل يوم، لكني أسمع ضحكتك، فأعرف أن الصباح بخير”

بدأ قلبها يخفق

من صاحب الرسائل؟ ولماذا يكتبها دون أن يظهر نفسه؟

ومنذ ذلك اليوم، صار المقهى بالنسبة لها لغزا تعيشه كل صباح

صارت علياء تنتظر الرسائل بشوق وشغف، تحفظ كلماتها في قلبها وتخفيها عن زميلاتها

كانت تبحث بعينيها بين الزبائن عن نظرة، عن ابتسامة، عن اى علامة تدل على صاحب الورقة, لكن لم يكن هناك سوى رجلٍ واحد يجلس في الركن ذاته كل صباح، يرافقه شاب آخر يساعده على الجلوس كان هادئا، يضع نظارة سوداء، ولا يرفع رأسه عن فنجان القهوة.

في يومٍ ما، قررت علياء أن تضع ورقة صغيرة على تلك الطاولة، كتبت فيها

“من أنت؟ ولماذا تكتب لي؟”

وفي اليوم التالي، لم تجد ورقة, بل كتابا صغيرا مفتوحا على صفحة كتب فيها

“أنا لا أراكِ كما يراكِ الناس، لكني أشعر بكِ كما لا يشعر بكِ أحد

أنا أسمع صوت خطواتك قبل أن تقتربي من الباب، وأميز صوت فنجانك حين تضعينه على الطاولة.

تجمدت في مكانها

نظرت نحو الركن المعتاد، فرأت الشاب الجالس بنفس الهدوء، والابتسامة الخجولة على وجهه

اقتربت منه بخطوات مترددة، وقالت بصوتٍ خافت

“هل أنت من يكتب لي؟”

ابتسم الشاب وقال

“بل صديقي هو من يكتب.. أنا فقط أملي عليه ما يقوله قلبي”

كانت الدهشة تعلو وجهها، ثم ابتسمت بخجل وهي تهمس

“لكن.. أنت لا تراني”

فأجاب بلطف

“أحيانًا لا نرى الحب بالعين، بل بالقلب”

سكتت لحظة، ثم وضعت أمامه فنجانا من القهوة وقالت

“إذن.. هذا فنجان من قلبي، لا من المقهى”

ضحك الشاب بخفوت، وفي تلك اللحظة أدركت علياء أن أجمل الرسائل ليست تلك التي تقرأ برائحة الحبر، بل تلك التي تكتب في الصمت وتفهم من دون كلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى