فادي السمردلي يكتب: آن الأوان لصرامةٍ مُعلنة بأقرار وتفعيل مشروع دفاع عربي مشترك

فادي السمردلي يكتب: آن الأوان لصرامةٍ مُعلنة بأقرار وتفعيل مشروع دفاع عربي مشترك
بقلم فادي زواد السمردلي
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
آن الأوان أن تنطق الأمة بصوتٍ واحدٍ لا يلين، أن تتحول لغة الغضب والاحتجاج إلى قرارٍ واضحٍ ومؤسساتٍ قادرةٍ على الحماية والدفاع وليس بمزاجيةً عابرة ولا شعاراتٍ في بياناتٍ رنانةٍ تُنسى بعد شهر، بل مشروع دفاع عربي مشترك صارم يُبنى على الإرادة السياسية والوحدة العملية، ويُحوّل حاضر التمزق إلى تصميمٍ حقيقي على جعل الأمن القومي العربي أمراً عملياً لا أمانيًا ويجب أن يكون هذا المشروع قاسماً مشتركاً بين السياسات والعسكريين والمجتمع المدني، لا مقتصراً على بروتوكولاتٍ لا تُنفَّذ، بل تنظيماً حقيقياً يملك آليات سريعة للاستجابة، قيادته واضحة ومحاسبةٌ حازمة، وحدوده القانونية والدستورية محددةُ التحرك بحيث لا يعود أي قرار أمني مصدراً للتردد أو التخاذل نحن بحاجة إلى منظومةٍ دفاعيةٍ تحقق توازناً حقيقياً ، قوات متعددة التخصصات، منظومات مراقبة وإنذار مبكر مشتركة، مركز استخباراتي إقليمي يجمع المعلومات ويحللها باستقلالية مهنية، فضلاً عن صناعة تسليح متبادلة واستراتيجيات لوجستية توحد قواعد الإمداد والتدريب والتأهيل، كل ذلك تحت مظلةٍ سياسيةٍ عربيةٍ جامعة تضمن شرعية القرار وتحبسه من سلوكياتٍ ضارةٍ بالمصالح العامة. المشروع ليس عدواناً على أحد، بل ضبطٌ للذات وتجهيزٌ لردع أي دولة أو جهة تتجاوز القوانين والمواثيق، وهو في جوهره دفاعٌ عن الكرامة والحرية والحق في الوجود، وقِوامه الأول ضرورة حماية المدنيين والمنشآت والبنى التحتية والحياة الطبيعية للمواطنين العرب من أي تهديد خارجي أو عدوانٍ متكررٍ يستهين بدمائنا وحقوقنا.
لنكن واضحين: هذا المشروع لا يُبنى على الخوف ولا على الدعاية، بل على مبدأٍ بسيطٍ وهو أن الأمة التي لا تُؤمّن نفسها تخضع لشروطٌ ليست لصالحها لذلك على القادة أن يتحملوا مسؤولياتهم الآن، أن يضعوا الأمن القومي فوق الحسابات الضيقة ويجبروا كل حسابات المصالح العابرة على الانصهار داخل سياسةٍ واضحةٍ تحمي الجميع ويتطلب ذلك إجراءاتٍ عملية فورية عقد قمةٍ عربية خاصةٍ للدفاع تلتزم فيها الدول العتيدة بخريطة طريق محددة، إنشاء مجلس دفاع عربي يتمتع بصلاحيات تنفيذية متفقاً عليها، وصياغة قواعد اشتباكٍ واضحة وموحدة تُطبق في أوقات الطوارئ، مع ضمان تمويلٍ ثابت وشفاف ومصادر قوة شرعية تتيح السرعة في اتخاذ القرار كما يجب أن تكون هناك برامج تدريب مشتركة على أعلى مستوى، تمارين دورية مشتركة تظهر قوةٍ متماسكةٍ لا تُقهر بسهولة، وتبادل تقنيٍ واستخباراتي يمكن الاعتماد عليه في أصعب اللحظات فلا يمكن أن ننتظر لحظةً فاصلة نندم بعدها على تضييع فرصةِ التضامن فالتاريخ سيحكم بقسوة على من اختار الانقسام عندما كانت الفرصة لإعادة الاعتبار متاحة، والعدو سيزداد تهوراً أمام أي انقسامٍ واضح.
في زمنٍ تُختبر فيه الإرادات وتتقلب فيه التحالفات الدولية، لا نعوّل على وعودٍ خارجيةٍ قد تتبدل بتقلب السياسة الدولية؛ نعول أولاً على أنفسنا، على عمقنا التاريخي والجغرافي والاقتصادي، وعلى إمكانات بشرية وتقنية قادرة على البناء والتطوير تفعيل مشروع دفاع عربي مشترك يعني إعادة هيكلةٍ عقليةٍ من دولةٍ منطلقةٍ من مصالحٍ آنيةٍ، إلى كتلةٍ تمتلك استراتيجيةً طويلة المدى ومشتركةً للمصالح، تهتم بأمن البحر والبر والجو وفضاء المعلومات، وتتوفر لديها أدوات قانونية ودبلوماسية تحميها وتساندها حين تتعرض دول عربية لعدوانٍ أو تهديد.كما أن المشروع يجب أن يقترن بسياسة خارجية موحدة في لحظات المحاكمات الكبرى، بحيث تكون ردود العرب معبرة عن موقفٍ واحدٍ لا يتجزأ، يضع الأصبع على مكامن الاختلال دون تردد أو تبرير.
لن يخلو الطريق من عقباتٍ فاختلاف أولويات الدول، وتباين القدرات، وسابقاتٍ من الثقة المخدوشة بين بعض العواصم. لكن الإيمان بالمصلحة العليا القومية يستطيع أن يتغلب على هذه الفوارق إذا تمت إدارة المشروع بحرفيةٍ وشفافيةٍ مبنيةٍ على قواعد قانونية متفق عليها وبرامج تقاسم أعباءٍ عادلة والمطلوب هو تصميم آليات تحفظ مصالح كلٍ من الدول الصغيرة والكبيرة وتمنع أن يكون لها حكمٌ مطلقٌ على أجندة الأمن المشترك فآليات تمويلٍ مرنة تتيح للدول المقتدرة أن تساهم أكثر دون أن تُفرض تبعاتٌ ثقيلة على الدول الأصغر، وآليات تقنية تجعل من التبادل العسكري والاستخباراتي خدمةً فوائد متبادلة.وهذه ليست مزاياً مستحيلة بل هي منطقٌ عملي إذا ما قررت القيادات أن تضع مصلحة الأمة أمام أي حساب آخر.
كما يجب أن يكون المشروع مراعيًا للبعد الأخلاقي والإنساني قوانين صارمة تحكم استخدام القوة، التزام صارم بحماية المدنيين، وشفافية في الأداء العسكري والأمني أمام شعوبنا حتى يبقى المشروع ذا شرعية داخلية لا تشكك فيه الشعوب فالدفاع لا يعني انتهاك حقوق أحد ولا تحويل بلادنا إلى ساحةٍ للصراعات، بل يعني القدرة على الدفاع والردع ومنع التصعيد والحفاظ على الاستقرار.لذلك يجب أن يترافق المشروع مع آليات رقابية مدنية وعسكرية تضمن التزام القوات المشتركة بالقوانين الدولية ومعايير حماية المدنيين، وتفعل قنوات للطوارئ الإنسانية والتعاون مع الهيئات الدولية عند الحاجة، من دون أن يعني ذلك تقييداً يفضي إلى الشلل.
النقطة الجوهرية أن مشروع الدفاع العربي المشترك يجب أن يكون أيضاً مشروع اقتصادٍ للأمن فتوحيد جهود البحث والتطوير في التكنولوجيا الدفاعية، دعم الصناعات العسكرية المحلية المشتركة، وإنشاء شراكات علمية وتكنولوجية بين الجامعات ومراكز البحوث العربية لتقليل الاعتماد الخارجي على السلاح والخدمات الاستخباراتية فهذا المسار سينقذنا من عبىء الاستيراد وسيخلق صناعات واستثمارات جديدة ويوفّر فرص عمل ويعزز من قدرتنا على اتخاذ القرار الحر في لحظات الأزمات إن تحويل الأمن إلى عنصر منتجٍ اقتصادياً يجعل حماية الوطن استثماراً ومصلحة مشتركة، وليس عبئاً فقط على ميزانيات الدول.
ختاماً، على القيادات أن تدرك أن السكوت أو التردّد ليس خياراً فأن يذهب كلٌ إلى حساباته الخاصة هو خيارٌ يؤجل الحسم لصالح من لا يريد لنا خيراً فقد آن الأوان أن نعلن بصرامةٍ نريد مشروع دفاع عربي مشتركاً، لا ورقياً، لا موزع المسؤوليات فيه بلا قياس، بل مشروعاً منظماً، قابلاً للتنفيذ، موثوقاً به من شعوبنا، ومؤمَّناً بقوةٍ قانونيةٍ وإجرائيةٍ وسياسيةٍ تجابه بها أي غطرسة أو استفزاز. إن الحق في الدفاع عن النفس والكرامة والحرية ليس ترفاً بل واجبٌ تاريخي، فلنكن على قدر المسؤولية، ولندع الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلام، ولنجعل من هذا المشروع بداية عهدٍ جديدٍ لا يُسمَح فيه لأحدٍ أن يتجاوز حدود الاحترام والشرعية فوق أرضنا.