هل يفرض الواقع الإقليمي الجديد على حماس تغيير سياستها التفاوضية؟

هل يفرض الواقع الإقليمي الجديد على حماس تغيير سياستها التفاوضية؟
عبده الشربيني حمام
بعد انتهاء حالة التصعيد العسكري بين اسرائيل وايران تعود الانظار الى قطاع غزة الذي يشهد وضعا انسانيا غير مسبوق مع تواصل الحرب الاسرائيلية على القطاع للشهر الثامن عشرة على التوالي.
وبينما كانت الأنظار تتجه إلى التصعيد المباشر وغير المسبوق بين إسرائيل وإيران، كانت تداعيات هذه الحرب تلقي بثقلها على أحد أبرز حلفاء طهران في المنطقة: حركة حماس.
فمع انشغال إيران بجبهتها الأوسع، لم تعد الحركة قادرة على مجابهة الضغط الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة بمفردها، في ظل تراجع الدعم الإقليمي، والانهاك الداخلي، والضغوط الشعبية المتنامية.
استعادة جثامين رهائن إسرائيليين من داخل غزة لم تكن مجرد عملية عسكرية اسرائيلية، بل مؤشّر على حالة التراجع التي تعيشها الحركة، وعلى محدودية قدرتها على حماية أوراق التفاوض التي طالما استندت إليها.
هذا الواقع الجديد قد لا يترك أمام حماس سوى خيار واحد: إعادة تقييم موقفها من مسار الحرب، والتفكير الجدي في الدخول في تسوية سياسية قبل أن تفرض عليها شروطها من الخارج ومن الداخل في آن واحد.
بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بدأت التداعيات غير المباشرة لهذا التصعيد تتضح في مناطق نفوذ المحور الإقليمي، وعلى رأسها قطاع غزة. فقد وجدت حماس نفسها في موقع هش، لا يشبه المراحل السابقة، حيث باتت تتحرك في بيئة إقليمية متغيرة، ودون الغطاء السياسي والعسكري الذي اعتادت عليه.
انشغال طهران خلال الأسابيع الماضية بجبهتها مع إسرائيل أدى إلى غياب نسبي في دعم أذرعها في المنطقة، ما شكّل فراغًا استراتيجيًا لحماس، انعكس ميدانيًا في تزايد الضغط العسكري الإسرائيلي على القطاع، وفي ضعف التنسيق والدعم الذي كان يُعتبر سابقًا من ثوابت المشهد.
في السياق ذاته، شكّلت عمليات استعادة جثامين رهائن إسرائيليين من غزة نقطة تحوّل رمزية. فبالنسبة لإسرائيل، كان ذلك إنجازًا أمنيًا يوظَّف لتعزيز موقف الحكومة أمام الداخل الإسرائيلي. أما بالنسبة لحماس، فقد بدا الأمر كدليل على تراجع السيطرة الأمنية، ما فتح الباب أمام انتقادات داخلية وأسئلة حول مدى قدرة الحركة على إدارة ملفاتها الاستراتيجية في ظل استمرار القصف والمعاناة الإنسانية.
ورغم أن حماس لا تزال تحتفظ بقدرات ميدانية، إلا أن المشهد الإقليمي والداخلي لم يعد يمنحها نفس الهامش السياسي أو الشعبي. إذ يواجه القطاع وضعًا إنسانيًا متدهورًا، بينما تتراجع فعالية الخطاب التقليدي الذي طالما اعتمد على منطق المواجهة المفتوحة.
في ظل هذا الواقع، تزداد الحاجة لأن تعيد حماس النظر في نهجها التفاوضي. فالمراهنة على الزمن أو على تغيّرات إقليمية تخدم مواقفها لم تعد مجدية في ظل التراجع الفعلي على الأرض، وتآكل أوراق الضغط التقليدية، وعلى رأسها ملف الأسرى. الدخول في مفاوضات جدية لا يُفترض اعتباره تنازلًا سياسيًا، بل قد يكون الخيار الوحيد المتاح للحركة في هذه المرحلة، لتثبيت وجودها وتخفيف الضغط عن القطاع وسكانه.
ميدانيا، يبقى الواقع الإنساني في القطاع بالغ القسوة، حيث تُشير تقارير أممية وطبية إلى مقتل أكثر من 54 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 110 آلاف، في وقت دُمّرت فيه نحو 90% من البنية التحتية. كما نزح قرابة مليوني شخص، ويواجه نصف مليون خطر المجاعة في ظل الحصار المستمر وتعطيل دخول المساعدات الإنسانية.