الرئيسيةاخبارالأزهري: أهداف الندوة رشيدة سديدة موفقة
اخبار

الأزهري: أهداف الندوة رشيدة سديدة موفقة

عبده الشربيني حمام

الأزهري: أهداف الندوة رشيدة سديدة موفقة

بإنابة كريمة من دولة رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، شهد الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري – وزير الأوقاف فعاليات الجلسة الافتتاحية للندوة العالمية الثانية للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، التي تنظمها دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، برعاية كريمة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي – رئيس الجمهورية، وبرئاسة فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد – مفتي الديار المصرية، تحت عنوان: «الفتوى وقضايا الواقع الإنساني: نحو اجتهاد رشيد يواكب التحديات المعاصرة»، على مدار يومي 15 و16 من ديسمبر الجاري، بالتزامن مع الاحتفال بـ«اليوم العالمي للإفتاء»، الذي أقرته الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم وبوافق 15 ديسمبر من كل عام، ليكون مناسبة سنوية تُجدد فيها الأمة عهدها مع العلم والاجتهاد والوعي، بحضور دولي رفيع يضم مفتين ووزراء وعلماء من مختلف دول العالم.

وفي كلمته، نقل وزير الأوقاف تحيات دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي للمشاركين وضيوف مصر الكرام، راجيًا أن يكتب لهذا الملتقى التوفيق والنجاح، كما أوضح أن هذه الندوة تلمس محورًا شديد الأهمية في تكوين المفتي من الشرع الشريف ومناهجه ومقاصده ورؤيته الكبرى وكيف يجيب المفتي على أسئلة المستفتين واستفساراتهم ونوازلهم.
كما استعرض كلام الإمام الشافعي: «أقمت عشرين سنة أطلب أيام الناس، أستعين بذلك على الفقه»؛ ليرشدنا إلى أن شأن الفقيه عدم الوقوف على تصور النصوص فقط بل لا بد أن ينظر إلى المحال التي تتنزل عليها النصوص الشرعية.

كما أكد أن الشريعة بكل ما يندرج تحتها من أحوال الناس ونوازلهم، واختلاف أمزجة الخلق، وتنوع أوضاع البشر، وما يدور بينهم من معارف وعلوم، ونظمٍ للإدارة، وتحركاتٍ للأسواق، وتعدد صور العقود والمعاملات؛ إنما تحتاج إلى فقهٍ حيٍّ واعٍ بالواقع، مدركٍ لحركة المجتمع، متابعٍ لما يستجد في شئون المعاش، وهذه المعارف هي التي تفتح للفقيه أبواب الفكر والنظر، وتفرز له المداخل البحثية، وتوقفه على ما يحتاج إليه الناس، وما يدور بينهم، وما يكتنف شئون حياتهم، مما يجب على الفقيه أن يلاحقه استيعابًا وفهمًا، وأن يعرف أسبابه، ويقف على آثاره في واقع الناس، ثم يمزج كل ذلك بالنظر الشرعي المحرر، والمعرفة التامة بالأحكام الشرعية؛ ليستخرج الحكم الشرعي، وينزله على الوقائع والأفكار تنزيلًا رشيدًا.

وأوضح أن أقوال الأئمة والعلماء قد تناثرت في تقرير هذا المعنى، فوجدنا الإمام الجليل عِكْرِمَة مولى عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول: «إني لأخرج إلى السوق، فأسمع الكلمة يتكلم بها الرجل، فيُفتح لي بها في العلم خمسون بابًا». فهو يقرر أنه يخالط الخلق، ويدخل الأسواق، ويعايش الناس، وليس في السوق إلا البيع والشراء، وأنواع المعاملات، وصور العقود، وما يطرأ على منظومة أخلاق المجتمع من صور التحايل وصنوف التعامل، فيحصل له بذلك اطلاع على الصور المستحدثة بين الناس، فيتحرك عقله في تكييفها تكييفًا شرعيًا، فتتنفتح له أبواب من العلم النفيس، وتُستخرج بإزاء وقائع حياة البشر أحكامٌ وآداب، وتلوح معانٍ جليلة في نصوص الوحي، بقدر ما يفرزه المجتمع من شئون وأحداث، ولأجل هذا كان عكرمة رضي الله عنه إذا قدم البصرة أمسك الحسن البصري عن الفتيا ما دام عكرمة بها؛ لعلمه بفضله، وسبقه في إدراك الوقائع، ومعرفة واقع الناس، والوقوف على التحديات، ثم بذل الجهد في استخراج أحكام الشرع وآدابه في ضوء ذلك كله.

وأشار إلى كلام الإمام أبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله؛ إذ يقول في صيد الخاطر: «ينبغي للفقيه أن يطالع من كل فن طرفًا، من تاريخ وحديث ولغة وغير ذلك، فإن الفقه يحتاج إلى جميع العلوم، ليأخذ من كل شيء منها حظًا». ويقول أيضًا: «ينبغي للفقيه ألا يكون أجنبيًا عن باقي العلوم، فإنه إن لم يكن كذلك لم يكن فقيهًا، بل يأخذ من كل علم بنصيب، ثم يتوفر بعد ذلك على الفقه»، بل هناك أرفع من ذلك وأدق، حين يقول الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: «إن الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وأن يعرف الجد والهزل، والخلاف والضد، والنفع والضر، وأحوال الناس الجارية بينهم، وعاداتهم المعروفة، فمن شرط المفتي النظر في جميع ما ذُكر، ولن يدرك ذلك إلا بملاقاة الرجال، والاجتماع بأهل النِّحل والمقالات المختلفة، ومساءلتهم، وكثرة المذاكرة لهم، وجمع الكتب ودرسها، ودوام مطالعتها».

واستطرد الوزير: إذا رجعنا إلى النظر في أهداف ندوة اليوم، وجدنا أنها كانت رشيدة، سديدة، موفقة، إذ وضعت يدها على ما نحتاج إليه في واقعنا المعاصر، في بلادنا وأوطاننا. فقد دونت الندوة في أهدافها أنها تستهدف إبراز دور الفتوى المعاصرة كأداة علمية ومجتمعية لمواجهة التحديات الإنسانية في ضوء المقاصد الشرعية، وترجمة مبادئ الكرامة الإنسانية إلى بروتوكولات إفتائية وآليات تنفيذ، وتصميم نماذج تمويلية مستدامة من الزكاة والوقف والكفارات والنذور والتكافل، ترتبط بمخرجات الفتوى، وبناء مؤشرات لقياس أثر الفتوى في الواقع، وإصدار دليل إجرائي لفتاوى الطوارئ والحالات المزمنة.

كما شدد على ضرورة ربط صناعة الفتوى بمقاصد الشريعة في حفظ النفس والدين والعقل والمال والنسل عند معالجة القضايا الإنسانية، واستثمار الفتوى في تعزيز الحلول العملية لمشكلات الفقر، والصحة، والجوع، والجهل، والأمية، والغزو الثقافي، ومناقشة التحديات الفكرية الناجمة عن هذا الغزو، وآليات المواجهة الشرعية، وإبراز البعد الشرعي والإنساني للقضية الفلسطينية من خلال الفتوى، والانتقال من الفتوى الفردية إلى سياسات للفتوى، بتحويل الحكم الشرعي إلى برنامج عمل مستدام، ممول بالعبادات المالية، وتعزيز احترام الكرامة الإنسانية بوصفها أساسًا معياريًا لصلاحية الفتوى، وحماية البنية الأخلاقية للمجتمع من الأخطار التي تتهددها.

وثمن نجاح ندوة اليوم في أنها وضعت أهدافًا راقية وسامية، ترصد الواقع، وتلامس الاحتياج الحقيقي، وتقترب إلى أقصى حد من متطلبات الوطن، بل ومتطلبات الإنسانية جمعاء.

وفي ختام كلمته، دعا الله جل جلاله أن يحفظ أرض الكنانة مصر بحفظه الجميل، وأن يبسط عليها بساط الرخاء والأمن والعافية والسعة، وأن يحفظ فلسطين حرةً عزيزةً أبية، وأن يحفظ القدس الشريف، وأكناف بيت المقدس، والمسجد الأقصى، وأهلنا الكرام من شعب فلسطين الأبي العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *