لا للهيمنة الأمريكية الدبلوماسية الفنزويلية في مواجهة إغلاق المجال الجوي
بقلم الإعلامي والسياسي رامي السيد
نائب رئيس شبكة النايل الإخبارية
تواجه فنزويلا اليوم واحدة من أكثر أشكال الضغوط غير التقليدية التي تمارسها الولايات المتحدة ضد الدول التي ترفض الانصياع لسياسات الهيمنة حيث تحولت السماء الفنزويلية إلى ساحة صراع سياسي بعد فرض حصار جوي يعكس بوضوح رؤية واشنطن في التعامل مع الدول المستقلة وفي مقدمتها فنزويلا التي اختارت طريقها السياسي والاقتصادي بعيدا عن مراكز التحكم الأمريكية
منذ سنوات تعمل الإدارة الأمريكية على فرض حصار اقتصادي شامل على كاراكاس لكنها انتقلت اليوم من أدوات العقوبات المالية إلى محاولة عزل البلاد عن العالم عبر إغلاق المجال الجوي بشكل غير مباشر ومنع الطائرات التجارية وبعض الرحلات الدولية من الوصول إلى مطارات فنزويلا أو المرور فوق أجوائها هذا التحول في مسار العقوبات يكشف أن واشنطن تدرك قوة الإرادة السياسية للفنزويليين وأن العقوبات التقليدية لم تحقق الهدف الذي سعت إليه إسقاط الدولة من الداخل
لكن اللافت أن فنزويلا لم تقابل هذا الضغط بتوتر أو انفعال بل تعاملت معه بمنطق الدبلوماسية الهادئة والمدعومة بحضور إقليمي متنام فقد تحركت وزارة الخارجية الفنزويلية على محورين متوازيين الأول قانوني من خلال المؤسسات الدولية حيث اعتبرت أن هذا الحصار يخالف قواعد الطيران المدني ويشكل عقابا جماعيا للشعب
والثاني سياسي من خلال تعزيز التحالفات داخل أمريكا اللاتينية ومع قوى دولية رافضة لسياسات الهيمنة أبرزها الصين وروسيا وبعض الدول الإقليمية في القارة
السياسة الأمريكية تجاه فنزويلا ليست جديدة لكنها تتجدد مع كل إدارة تأتي لمنصب الرئاسة ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض اشتدت إجراءات الضغط وأصبحت فنزويلا نموذجا واضحا لمبدأ إما أن تكون معنا أو ضدنا
الذي تبنته واشنطن في تعاملها مع دول القارة اللاتينية فالرجل الذي أعلن صراحة أن النفط الفنزويلي يجب أن يكون تحت سيطرة الشركات الأمريكية لم يتردد في دعم أي خطوة تؤدي إلى خنق اقتصاد البلاد وتوسيع دائرة الحصار على كافة المستويات بما فيها المجال الجوي
لكن فنزويلا التي عرفت تاريخيا بكفاحها ضد الاستعمار الخارجي أثبتت أنها ليست دولة صغيرة يمكن إخضاعها بسهولة صمود المؤسسات الوطنية والدعم الشعبي لسياسات الاستقلال أعاد رسم الصورة أمام العالم حيث تحول الحصار إلى عنوان جديد للإصرار على حق الشعب في تقرير مصيره بعيدا عن المعايير المزدوجة التي تعتمدها واشنطن والتي تدافع عن الديمقراطية في خطابها بينما تمارس العقاب ضد الشعوب في سياستها
لقد أدركت فنزويلا أن المعركة ليست اقتصادية فقط بل معركة وعي أيضا لذلك ركزت على إيصال صوتها إلى الساحة الدولية وتعزيز الخطاب الإعلامي الذي يحول قضية الحصار إلى قضية إنسانية وأخلاقية لا تقل أهمية عن النزاعات السياسية الدبلوماسية الفنزويلية اليوم تقدم درسا في كيفية مواجهة القوة الناعمة وتثبت أن العالم متعدد الأقطاب أصبح واقعا وأن زمن التحكم المنفرد بمصائر الشعوب قد انتهى
وفي ظل هذه المواجهة يتأكد أن الحصار الجوي لم يضعف فنزويلا بل عزز موقفها بين الدول الساعية لعالم أكثر عدلا وتوازنا وبدلا من عزلها كشف للعديد من الحكومات والشعوب حقيقة المشروع الأمريكي في المنطقة والذي لا يقوم على حماية الديمقراطيات كما يروج بل على السيطرة على الموارد وتوجيه السياسات بما يخدم مصالح واشنطن فقط
لا للهيمنة الأمريكية ليست مجرد شعار سياسي بل موقف استراتيجي تتبناه فنزويلا بوعي وثقة موقف عنوانه الاستقلال الوطني وروحه إرادة شعب لا يقبل الوصاية الخارجية وفي هذه المعركة تثبت الدبلوماسية الفنزويلية أن قوة الدولة لا تقاس بحجم اقتصادها فقط بل بقدرتها على الدفاع عن قرارها وسيادتها في وجه الضغوط مهما بلغت
فنزويلا اليوم تقول للعالم السماء ليست مجالا أمريكيا والسيادة ليست قرارا يصدر من البيت الأبيض

