مقالات

محمد أكسم يكتب: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم

محمد أكسم يكتب: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم

 

على هضبة الجيزة، وعلى بعد خطوات من الأهرامات الخالدة ,حيث تتعانق الشمس مع الأهرامات وتتنفس الأرض عبير التاريخ، يقف المتحف المصري الكبير كأنه قلب مصر النابض بالحضارة, صرح عملاق لا يكتفي بعرض آثار الماضي، بل ينطق بعظمة الإنسان المصري الذي صنع المجد الأول للإنسانية، ويؤكد أن هذه الأرض لم تكن يوما مجرد وطن، بل مهد الفكر والجمال والإبداع

حضارة لا تنتهي

منذ آلاف السنين، حين خطّ المصري القديم أول حرف على جدار معبده، كان يرسم للعالم طريق المعرفة

واليوم، يعيد المتحف المصري الكبير كتابة هذه القصة بلغة العصر لغة العلم والضوء والتكنولوجيا

لقد أرادت مصر أن يكون ليس فقط أكبر متحف في العالم، بل أعظم حكاية عن الإنسان الذي آمن بالخلود، فشيد الأهرامات، ونقش التاريخ، وترك للعالم إرثًا لا يزول

المتحف لا يستعرض الآثار في قاعات باردة، بل يروي حكاياتها كما لو كانت كائنات حية تعود للحياة من جديد تماثيل الملوك، توابيت الملوك، حلي الملكات، وأدوات الحياة اليومية، كلها تعرض بروح حديثة تضع الزائر في قلب التاريخ، كأنه يسير بين أجداده الفراعنة، يسمع همسهم ويراهم يبتكرون ويبنون ويؤمنون بالخلود.

عبقرية التصميم.. مزيج بين الماضي والمستقبل

يعد المتحف المصري الكبير تحفة معمارية عالمية تمتد على مساحة تتجاوز نصف مليون متر مربع، صممت واجهته على شكل مثلثات هندسية مستوحاة من الأهرامات، ليصبح امتدادًا بصريًا وروحيًا لها

من اللحظة الأولى، يستقبل الزائر رمسيس الثاني ببهائه الملكي، كأنه يقول للعالم: “ما زلت هنا، وما زالت مصر في الصدارة”

ثم تبدأ الرحلة داخل ممرات مضيئة تروي تطور الإنسان المصري عبر آلاف السنين، من الفلاح الذي شق النيل بيديه، إلى المهندس الذي بنى الهرم، إلى الفنان الذي رسم الروح قبل أن يرسم الجسد

توت عنخ آمون.. شمس لا تغيب

وفي قلب المتحف، تتلألأ كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، المعروضة للمرة الأولى كاملة في مكان واحد كل قطعة من هذه المجموعة تروي قصة حضارة آمنت بالحياة بعد الموت، وبأن الجمال هو لغة الخلود, التماثيل الصغيرة، الأقنعة، عربات الموكب، والمجوهرات المذهلة كلها تشهد على أن الفن المصري القديم لم يكن زينة، بل فلسفة عن الجمال والوجود.

المصري القديم.. أول من آمن بالعقل والنظام

يذكرنا المتحف أن الإنسان المصري القديم لم يكن فقط بناء للأهرامات، بل رائدًا في الطب والهندسة والكتابة والفلك, لقد عاش بروح الباحث، وسعى إلى فهم الكون قبل أن تعرف كلمة علم ومن خلال القطع المعروضة في المتحف، يرى الزائر كيف أسس المصريون الأوائل مفهوم الدولة، وكيف فهموا العدالة، والزراعة، والإدارة، والموسيقى، والفن التشكيلي، منذ آلاف السنين.

مصر الحديثة.. تكتب فصلها الجديد من المجد

اليوم، يأتي المتحف المصري الكبير كحلقة جديدة في سلسلة الإبداع المصري، مشروع وطني ضخم يجسد رؤية مصر الحديثة التي تحترم ماضيها وتبني مستقبلها على جذوره العميقة

لقد أرادت الدولة أن تقدم هذا الصرح للعالم كـ جسر بين حضارة الأمس وتكنولوجيا اليوم، وكأنها تقول: مصر التي صنعت أول حضارة، قادرة أن تقود حضارة جديدة في العصر الحديث

دعوة من إلى كل شعوب الأرض

إن زيارة المتحف المصري الكبير ليست مجرد جولة في أروقة حجرية، بل رحلة إنسانية عبر الزمان، تشعل الدهشة في العيون وتزرع الفخر في القلوب

ومن هنا، من القاهرة مدينة النور والخلود توجه مصر دعوتها إلى كل العالم تعالوا إلى هنا، لتروا بأعينكم كيف كتب المصري القديم أول فصول الحضارة، وكيف يكتب المصري الحديث فصولها القادمة

فالمتحف المصري الكبير ليس فقط ذاكرة وطن، بل ذاكرة الإنسانية كلها

هو تحية إلى الإنسان الذي بنى بالعلم، وخلّد بالجمال، وعلم العالم أن من يعرف تاريخه لا يمكن أن يُهزم

مصر اليوم تحتفل بمتحفها، وبشعبها، وبحضارتها التي لا تزال تلهم العقول وتدهش القلوب

فلتكن زيارتك للمتحف المصري الكبير احتفالًا بالحياة، بالحضارة، وبالإنسان المصري الذي جعل من الخلود واقعا، وليس أسطورياً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى