السودان.. الجار الجريح ومحاولات إغراق مصر في أزمات الإقليم

السودان.. الجار الجريح ومحاولات إغراق مصر في أزمات الإقليم
بقلم: سالم هاشم
لا يمكن قراءة المشهد السوداني بمعزل عن أمن مصر القومي، فالسودان ليس مجرد جارٍ جنوبي، بل عمق استراتيجي وتاريخي يربط وادي النيل بمصيرٍ واحد.
غير أن ما تشهده الخرطوم من حربٍ أهلية مدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، جعلها تتحول إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، وأرضًا خصبة لتصفية الحسابات على حساب شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب المصري.
منذ اندلاع الأزمة السودانية، أدركت القاهرة أن سقوط الدولة السودانية لن يعني فقط موجات نزوحٍ جديدة أو اضطرابات حدودية، بل سيمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري في ظل حدود تمتد لأكثر من ١٢٠٠ كيلومتر، فضلاً عن التعقيدات المرتبطة بملف مياه النيل، الذي تحاول بعض القوى الإقليمية استغلاله كورقة ضغط.
مصر، التي تحارب الإرهاب في سيناء وتحافظ على استقرارها الداخلي وسط عالمٍ مضطرب، تجد نفسها اليوم في اختبارٍ جديد مع أزمات الجوار؛ من ليبيا غربًا، والسودان جنوبًا، وغزة شمالًا، وإثيوبيا شرقًا. كأنّ هناك من يسعى عمدًا لإغراقها في دائرة لا تنتهي من التوترات الإقليمية، لإشغالها عن مشروعها التنموي وعن دورها المحوري في العالم العربي.
لكنّ الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعاملت مع الملف السوداني بعقلانية الدولة الكبرى؛ لا انفعال ولا انحياز لطرفٍ ضد آخر، بل سعت إلى الحل السياسي والحفاظ على وحدة السودان أرضًا وشعبًا، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن أمن السودان من أمن مصر، وأن انهيار الدولة السودانية يعني فوضى ستصل إلى الجميع.
وفي ظل تلك التحديات، تظهر أهمية أن يكون لمصر في مؤسساتها التشريعية والتنفيذية أصوات قوية ومدركة، تساند القيادة السياسية في رسم السياسات الخارجية، وتدرك أبعاد الملفات الإقليمية. فمصر اليوم بحاجة إلى نوابٍ يفكرون بعقل الدولة، لا بعقل الخدمات فقط؛ نوابٍ يدافعون عن القضايا القومية بقدر ما يسعون لخدمة المواطن المحلي.
لقد آن الأوان أن نُدرك أن معركة الوعي أخطر من معركة السلاح، وأنّ حماية الجبهة الداخلية تبدأ من وعي الشعب بخطورة ما يُحاك في الجوار. السودان اليوم ينزف، وعلينا أن نتعلم من دروسه، حتى لا نسمح لأحدٍ أن يغرقنا في صراعاتٍ لا ناقة لنا فيها ولا جمل.


