مقالات

رسالة للعالم: مصر الحاتمية تطعم الجميع

رسالة للعالم: مصر الحاتمية تطعم الجميع

 

بقلم الكاتب والسياسي المصري سيد الأسيوطي

 

منذ فجر التاريخ، ومصر تُعرف بأنها أرض الخيرات ونيلها المعطاء شريان الحياة. هي السلة الغذائية الأولى في المنطقة، وموائدها كانت وما زالت تمتد إلى ما وراء حدودها. ليست مجرد دولة تبحث عن قوت يومها، بل هي دولة راسخة الجذور، تقف شامخة لتسد رمق شعوب بأكملها في لحظات الشدة.

 

إن وصف مصر بـ”الحاتمية” ليس مجازًا أدبيًا وحسب، بل حقيقة راسخة عبر التاريخ؛ فهي من وهبت القمح لروما القديمة، وزودت بلاد العرب بالحبوب والزيوت في زمن القحط، وكانت مخازنها ملاذًا للأمم وقت المحن. واليوم، تعود مصر بقوة لتثبت للعالم أن أمنها الغذائي وأمن محيطها الإقليمي جزء لا يتجزأ من دورها الحضاري والإنساني.

 

ولعل استدعاء صورة حاتم الطائي – رمز الجود والكرم في التراث العربي – أدق تشبيه لمصر، فهي لم تتوقف يومًا عن العطاء، ولم تُغلق أبوابها أمام ضيف أو لاجئ أو دارس علم. فمنذ عشرات السنين تستضيف مصر ملايين من الأشقاء العرب والأفارقة، فضلًا عن طلاب العلم الوافدين من شتى بقاع الأرض، تعاملهم معاملة المصريين دون تفرقة أو تمييز، لتؤكد أن الكرم ليس مجرد سلوك عابر، بل هو جزء من عقيدتها الوطنية والإنسانية.

 

في السنوات الأخيرة، شهدت مصر ثورة تنموية غير مسبوقة في قطاع الزراعة والإنتاج الغذائي؛ حيث تم استصلاح أكثر من 4 ملايين فدان في مشروعات كبرى مثل: الدلتا الجديدة، وتوشكى الخير، وسيناء، مع التوسع في إنشاء الصوب الزراعية العملاقة التي تجاوز عددها 100 ألف صوبة، فضلًا عن بناء مخازن استراتيجية للغلال بطاقة تخزينية تزيد على 3.5 مليون طن من القمح. هذه الإنجازات وضعت مصر في مصاف الدول الأكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات العالمية.

 

وعلى الصعيد الدولي، تأتي مصر ضمن أكبر 15 دولة مستوردة للقمح في العالم، لكنها في الوقت نفسه من الدول الأسرع نموًا في إنتاج القمح والذرة والخضروات بفضل المشروعات الزراعية القومية، مما يجعلها قادرة على تحقيق معادلة صعبة: تأمين احتياجات 105 ملايين مواطن، وفي الوقت ذاته المساهمة في سد الفجوة الغذائية الإقليمية.

 

ورغم كل أزماتها الطاحنة – من ارتفاع أسعار الطاقة إلى التضخم العالمي – تتحمّل مصر أخطاء الجميع في الحروب المصطنعة، وتدفع من استقرارها وثرواتها ثمن صراعات لم تكن طرفًا فيها. ومع ذلك، فإنها ما زالت صامدة، تُطعم من يحتاج، وتستوعب ملايين اللاجئين والضيوف دون إقامة مخيمات أو عزل إنساني، بل تدمجهم في المجتمع كجزء منه.

 

الأهم أن مصر تقف حائط صد أمام كوارث تهدد العالم كله، وأبرزها الهجرة غير الشرعية، إذ تتحمل أعباءها وتمنع تدفقها إلى شواطئ أوروبا، مما يحمي الغرب من أزمة إنسانية كبرى. وهنا يجب أن يعي الجميع – سواء صندوق النقد الدولي أو دول الغرب أو حتى بعض الدول العربية – أن دعم مصر واجب قومي وإنساني، وليس فضلًا أو منّة من أحد. فمن يقف على خط الدفاع الأول عن استقرار المنطقة والعالم يستحق الدعم والإسناد، لا الوعود المؤجلة أو الاشتراطات القاسية.

 

لقد أثبتت مصر أن الأمن الغذائي معركة وجود، وأنها تخوضها بوعي وإرادة؛ إذ تنوّع مصادرها، وتستثمر في البحث العلمي الزراعي، وتفتح شراكات جديدة لتأمين مستقبل أبنائها وأبناء المنطقة. وفي ظل عالم يتنازعه صراع الغذاء والطاقة، تظل مصر الحاتمية – بمواردها وإرادتها – رمزًا للكرم والقدرة، تطعم الجميع وتزرع الأمل في قلوب الملايين.

 

وهنا رسالتي إلى العالم:

على قادة الغرب والشرق، وعلى المؤسسات الدولية والإقليمية، أن يدركوا أن قوة مصر واستقرارها ليست شأناً داخليًا فحسب، بل ضمانة لأمن العالم كله. إن دعم مصر ضرورة وجودية، وواجب قومي، وأمانة في أعناق الجميع.

 

إنها مصر… التي إذا جاعت أطعمَت، وإذا اشتدت الأزمات كانت هي اليد الحانية التي تفيض خيراتها. ستظل مصر الكنانة، الحاتمية، درعًا وسيفًا وغذاءً وروحًا للعالم كله.

 

حفظ الله الوطن وتحيا مصر بوحدتها دائمًا وأبدًا رغم أنف المفسدين والحاقدين والمتربصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى