مقالات

رحلة العمر: بين الشجاعة والصمت

رحلة العمر: بين الشجاعة والصمت

 

شبكة النايل الإخبارية/محمد الجامعي

 

أعطيت عمري شجاعة وتحديات، خضت تجارب الحياة بكل ما فيها من فرص منتشرة حول العالم. في كل تجربة تستيقظ غرائزي مع البحر الممتد في السماء وعلى الأرض، ويتغير نسيج عواطفي من الروح، وعلى حافة قلبي أبتسم دائماً بابتسامة راقية، بوصفات جديدة من فصيلة عطرها عطر الانتصار.

 

لقد مررت بأيام كلها انتظار وارهاق كنت أقول لنفسي فيها: “غداً ستنتهي هذه الفترة الصعبة”، أكررها كل يوم حتى اكتشفت أنني تجاوزت فترات مختلفة من التعب دون أن أستريح. كلما هربت من فخ تعثرت بفخ آخر، حتى نسيت أي فترة كنت أقصدها وكنت أقول عنها “ستنتهي”. اكتشفت أن الشيء الوحيد الذي سينتهي يوماً هي طاقتي وعمري وصحتي.

 

ما كنت يوماً بالحقود ولا بمن يتحرق إلى الانتقام. صحيح أنني ككل البشر أشتهي دائماً، إلى حد التألم، أن أنتقم ممن ينالني بإهانة، لكن السماحة و الانتقام النبيل يسيطران علي و أحلف أنني بالسماحة كنت أنتقم. كنت أرد على الإهانة رداً فيه سماحة، فيكفيني أن يشعر المسيء وأن يدرك أنني كنت سموحا كريماً، و أحس حينها أنني انتقمت منه.

يجب أن أضيف في هذه المناسبة أنني ما كنت يوما أتحرق إلى الانتقام طالما هناك من ينوب عني في الانتقام. فكلما فازت وتألقت معشوقتي كرة الصالات، هو انتقام بذاته. ويكفيني أن الرأي العام يذكر اسمي ثم يطفو إلى الصفح، وهذا أمر لو تعلمون عظيم.

 

كان وجعي لا يُرى، أخرس لا يتكلم لكنه يقطع روحي كما تقطع السكاكين الماء دون الأثر، فيترك في الأعماق شروخاً لا تُرمم. أغرق في صمت طويل وتختنق الكلمات في حلقي، ليس لأنها لا تُقال، بل لأنها لو قلتها لانفجرت الدنيا من حولي.

كنت أتقن وأتفنن في كتمان الحزن، لأنني تعبت من الشرح ومللت من الخذلان. كنت أتظاهر بأنني أعيش حياة مبتهجة سعيدة وناضجة، الكل يراني أبتسم، لكن في عيني مقبرة من الدموع المؤجلة.

مرت علي سنوات كفصل واحد عشت فيها الغربة الداخلية و الخارجية

كنت أشارك اصدقائي الأفراح، أضحك معهم لكن عقلي شارد وغائب عن نفسه، كغريب مقيم بداخل جسدي ولا يجيد طرق باب قلبي. حينما أزعل أخرس ولا أصرخ، بل يُزهر داخلي صمتاً موحشاً، وتبدأ المعارك دون جيش ودون رايات.

إنه الحزن الذي يمشي بين الناس متخفياً، يلبس قناع الرضى، لكنه من الداخل فقط قد ينهار في كل لحظة.

هكذا انتهى بي الحال، وها أنا الآن مثل السفينة المتعبة التي انتهت صلاحيتها فرمى بها البحر لتستقر راسية على اليابسة، وقد أعيتها الرحلات الطويلة وبحار المجهول. أستريح ملاصقاً رمال الشاطئ، أتأمل المسافة التي قطعتها، والعواصف التي نجوت منها، والموانئ التي رسيت فيها، والأحلام التي حملتني عبر الأمواج حتى وصل فصل الاستراحة على الشاطئ

في هذه الاستراحة، أدركت أن الرحلة لم تكن عبثاً، وأن كل موجة كسرت على صدر سفينتي قد صقلت خشبها وقوت عودها. وأن الصمت الذي اخترته لم يكن ضعفاً، بل حكمة علمتني أن بعض المعارك تُكسب بالسكون، وأن بعض الانتصارات تأتي من الداخل، هادئة كنسمة الفجر على وجه البحر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى