لا شك أن السودان يعيش حاليا واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، فى الوقت
الذى يتمسك فيه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بخيار القتال، وهو على صواب بالطبع .
لذلك هو فى نظر القوى الإقليمية والدولية الداعية لوقف لوقف إطلاق النار، يعتبر متحديا لتلك القوى ،
بينما تتسع رقعة الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في مختلف أنحاء البلاد، ما يهدد بمزيد من الانقسام والفوضى.
قوات الدعم السريع تحكم قبضتها على الفاشر و في قراءة واضحه لخريطة الصراع الحالية،
نجد أن قوات الدعم السريع قد أحكمت قبضتها على ولايات إقليم دارفور،
الذي يمثل نحو ربع مساحة دولة السودان ، بعد سيطرتها على إقليم الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
ولكن في المقابل، يسيطر الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم وولايات الشمال والشرق والوسط،
وعلى رأسها ولاية البحر الأحمر التي تتخذ منها الحكومة العسكرية مقرًا مؤقتًا في بورتسودان.
وفي قلب هذه الخريطه الجغرافيه المشتعلة، تتركز المعارك الأشرس في ولايات كردفان، وتحديدًا في الأبيض وبارا.
والسيطرة على تلك الولاية تعتبر ركيزه أساسية ، ومسمارا فى نعش الطرف الآخر.
السودان أصبح مفتوحا على عدة سيناريوهات أبرزها تقسيم البلاد
والتحليل التفصيلي لتلك المعارك المهلكه نجد أن “الصراع في السودان أصبح مفتوحا على عدة سيناريوهات، أبرزها تقسيم البلاد”.
ناهيك عن أن سيطرة الدعم السريع على دارفور “رسمت ملامح أولية لهذا التقسيم”، خاصة مع اتساع حدود الإقليم مع دول مثل تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان .
ويحذر المراقبون من أن “الحدود المفتوحة مع دول مثل تشاد وإثيوبيا وإريتريا قد تؤدي إلى انتقال الصراع خارج حدود السودان” .
هذا بجانب أن هذه الدول نفسها تعاني من توترات داخلية يمكن أن تمتد نحو الأراضي السودانية.
فشل كل محاولات الحسم العسكري
و يرفض الجيش السوداني أي مبادرة للهدنة، وذلك رغم فشل كل محاولات الحسم العسكري بما في ذلك المبادرة الرباعية ، التي طرحتها الولايات المتحدة والإمارات والسعودية ومصر.
والتي تهدف إلى وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لحوار سياسي شامل.
وبينما تواصل المدافع دويها في كردفان ودارفور، يظل السؤال الذي يطرح نفسه ، و هو بالطبع السؤال الأهم:
“إلى متى يصرّ قادة الحرب على تجاهل مأساة شعبهم، ومتى تكون الإرادة السودانية أقوى من صوت السلاح؟”.
فى حين أن “الحركة الإسلامية تمكنت من اختطاف قرار الجيش، من خلال نفوذها في مؤسسات مثل وزارة الخارجية والعدل والإعلام”.
أزمة إنسانية غير مسبوقة
وعلى وقع هذه المواجهات، يتفاقم الوضع الإنساني بصورة مأساوية. فبحسب الأرقام فإن 21 مليون سوداني – أي نحو 45 بالمئة من السكان –
يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما 20 مليونا بحاجة ماسة إلى مساعدات صحية عاجلة.
إن الأزمة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من الجوع والمرض والنزوح، مع انتشار الكوليرا وحمى الضنك، وغياب الأدوية والمواد الغذائية المنقذة للحياة”.
و إن “تمسك الجيش بخيار الحرب وهذا حقه أسهم في إطالة أمد النزاع في السودان، ويدفع المدنيون ضريبته الباهظة”، ولابد من دفع تلك الضريبه .
وفى هذا السياق لابد أن نعلم أن هذه المأساة تتطلب إرادة سودانية حقيقية قبل أي ضغوط إقليمية أو دولية، فالسلام لا يأتي إلا من داخل السودان.
ويجب أن يبدأ بهدنة إنسانية عاجلة لضمان وصول الإغاثة للملايين من المتضررين.
ومما لا شك فيه أن إعادة هيكلة الجيش لتكوين مؤسسة وطنية مهنية موحدة بعيدة عن الولاءات الأيديولوجية و
العرقية، هو المدخل الوحيد لإنقاذ السودان من الانهيار.