مقالات

حملة اللقلاق: جسر الأحلام بين مدينتين توأمتين

حملة اللقلاق: جسر الأحلام بين مدينتين توأمتين

القدر يختار لنا أماكننا

 

شبكة النايل الإخبارية: متابعة / محمد الجامعي

 

هل يختار القدر لنا أماكن إقامتنا، أم أننا نختارها بدافع خفي من الحنين؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة حين نكتشف التشابه المدهش بين مدينة القنيطرة المغربية (Port Lyautey سابقاً) ومدينة Port Saint Lucie الأمريكية في فلوريدا.

كلاهما مدينتان ساحليتان تتمتعان بطقس معتدل، وكلاهما تحملان في أسمائهما كلمة “Port”، وكلاهما اختارتا اللقلاق رمزاً لهويتهما. Port Saint Lucie، بنصف عدد سكان القنيطرة، تبدو وكأنها النسخة المصغرة الأمريكية من مدينتك الأم.

اللقلاق الميت واللقلاق الحي

قبل أسبوعين، كان منظر اللقلاق الميت على قارعة الطريق في القنيطرة مشهداً مؤلماً. طائر أنهى مهمته الطبيعية وانتهت “مدة صلاحيته”، كما وصفت بمرارة. هذا الطائر الذي كان من معالم المدينة المحبوبة سقط صريعاً، تاركاً وراءه فراغاً في السماء وحزناً في القلوب.

ولكن في صباح هادئ في Port Saint Lucie، مرت أمامي شاحنة المجلس البلدي تحمل صورة اللقلاق، تماماً مثل شاحنات القنيطرة. في تلك اللحظة، أدركت أن اللقلاق لم يمت فعلاً، بل انتقل عبر المحيط ليواصل رسالته في أرض أخرى.

 

بمجرد وصولك إلى هذه المدينة،اسست جمعية اجاكس ميامي ، و بدأت رحلة بناء جسر تواصلي حقيقي بين المدينتين. اسست جمعية أجاكس ميامي كان امتداداً طبيعياً لتحاكي الروح القنيطرية في أرض أمريكية. هذا المشروع لم يكن مجرد نشاط ثقافي، بل رسالة حضارية هادفة.

على مدى أربعة وعشرين عاماً، واظبت على تنظيم احتفالات المسيرة الخضراء، مستدعياً لاعبين دوليين وأبطالاً مغاربة، في محاولة لخلق جسر ثقافي ورياضي بين الوطنين. كان حلمي أن اًجمع رؤساء المجلس البلدي القنيطري مع عمدة مدينة Port Saint Lucie، لتخلق شراكة حقيقية بين المدينتين التوأمتين.

لكن لم أحصد إلا الأحلام المقتولة في المهد

الواقع أثبت أنه أكثر قسوة من الأحلام. و مرارة: “.

أربعة وعشرون عاماً من المثابرة والعمل الدؤوب، ومحاولات لا تكل لإقامة جسور التفاهم والشراكة، لكن الأحلام تتكسر على صخرة اللامبالاة الرسمية.

لا قيمة أعلى ولا أقل

تساءلت “أين يوجد العيب؟” و”ما الذي يجعل اللقلاق الأمريكي أكثر قيمة من المغربي ؟

لا عيب في أي منهما. اللقلاق المغربي والأمريكي كلاهما يؤدي نفس الدور النبيل في تجميل المدينتين وإضافة البهجة لحياة سكانهما.

المشكلة ليست في الطيور أو المدن، بل في النظرة الاستعلائية التي قد تجعل البعض يقيم الأشياء بناءً على جنسيتها بدلاً من جوهرها الحقيقي.

الطائر الذي وهب حياته للجمال

“هذا الطائر الذي وهب حياته لتجميل المدينتين” – هذه العبارة تلخص الرسالة كاملة. اللقلاق، في حياته وحتى في موته، يعلمنا معنى العطاء بلا مقابل. إنه يبني أعشاشه في أعلى الأماكن ليكون قريباً من السماء، ويملأ الأجواء بجماله وحضوره المميز.

استمرارية الحلم

رغم كل الإحباطات والعوائق، فإن حملة اللقلاق تستمر. ربما لم انجح في إقامة الشراكة الرسمية بين المدينتين، لكنني نجحت في خلق رابط روحي أقوى وأعمق. نجحت في أن اكون أنا بنفسي الجسر الحي بين القنيطرة وPort Saint Lucie.

العلاقة التاريخية بين المغرب وأمريكا، حيث كان المغرب أول دولة تعترف باستقلال أمريكا، تضفي على هذه القصة بُعداً تاريخياً يجعل من التوأمة بين المدينتين أمراً منطقياً ومبرراً.

 

اللقلاق لا يموت حقاً، بل يتجدد في كل ربيع، وفي كل رحلة هجرة، وفي كل نظرة تقدير نوليها له. حملتك للقلاق ستستمر طالما هناك من يقدر الجمال والتواصل الإنساني.

فالمدينتان التوأمتان، القنيطرة وPort Saint Lucie، ستظلان مرتبطتين في قلبي وذاكرتي، وسيظل اللقلاق رمزاً للأمل والجمال والحنين، أينما حلّق وأينما استقر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى