
هل رأيتم ما حدث فى الشارع العربى كردة فعل على أحداث غزة وكل ربوع فلسطين؟ وهل تراها ملائمة ومناسبة فى الحجم والقوة على كل هذه المجازر والمعاناة ..؟؟ لقد ظل الناس على اهتمامهم بالتفاهات ونحن أولهم رغم كل ما يحدث حولنا من كوارث بالجوار!!!صحيح أنه قد أطلت علامات غضب من هنا وهناك ونداءات بمقاطعة السلع الغربية ، لكنها جاءت ضعيفة مقارنة بحجم الشارع العربى..
، وقد انهمكت الشعوب فى معظمها بمشاهدة المسلسلات والمباريات ونشر التفاهات على مواقع التواصل بالتزامن مع كل تلك المآسى ،علما بان مايجرى فى غزة ليس مجرد كارثة إنسانيةلأشقاء وإخوة فى الدين بل هي أحداث مصيرية للأمة العربية والإسلامية كلها ، فكأن الناس قد باتوا مغيبين ومخدرين لا يدركون حتى الخطر المحدق بمصائرهم ، فأنت أمام مزيج من الجهل والتبلد وفقدان الشعور ، وأول علامات ذلك أن يعيش كل فرد فى أنانيته منعزلاً عن مجمل هموم الأمة ومنعزلاً عن التاريخ والحاضر والمستقبل .. ومع أنى وبكل التأكيد لست ماركسياً فهذا لن يمنعنى من الاستدلال فى هذه المناسبة بقول كارل ماركس ” : “إذا أردت أن تكون تافهاً فما عليك إلا أن تدير ظهرك لهموم الآخرين ، “وهو قول حق ، فمن أهم علامات التفاهة أن ترى الظلم وتسكت ولا تهتم، ويتعمق معنى التفاهة أكثر عند تأييد الظلم نفسه فهنا يصبح الإنسان ليس فقط فاقداً للوعي والقيمة بل وللإنسانية نفسها والدين والأخلاق ، هذا الأمر يحدث غالباً نتيجة سوء التربية وسوء التنشئة وحتى فى نطاق الأسرة نفسها ستجد أن أفراد الأسرة لم يعد يشعر كل منهم بهموم الآخر في نفس أسرته ، وهذا تجسيد أوضح لمعنى التفاهة
ولكن لماذا فقد الناس الحكمة وصاروا تافهين ..أغلب الظن أن هذا حدث بسبب فقدانهم الرغبة فى القراءة وفى المعرفة بالإضافة لابتعادهم عن قيم الدين
يقول فريدريك نيتشة : الحكمة هي ظل المعرفة والمعرفة هي ظل العلم والعلم هو الحقيقة والمنقذ… بينما التفاهة هي ظل الجهل والجهل هو ظل التخلف والتخلف هو عين الفقر والبؤس والشر والنفاق.
لقد تغلغلت التفاهة فى كل شيء، الفن والعمل والصحافة والإعلام والعلم والدين والكتب فصار التافه الرخيص صحفياً وإعلامياً مرموقا وصار الجاهل الأمى منتجاً سنيمائيا يغرق المجتمع بالأفلام الهابطة والفكر التافه ،وصارت العجوز الشمطاء ببعض الماكياج وعمليات التجميل صبية تمثل أدوار العشق والمتفرجون يرحبون لأنهم أشد تفاهة من الذين أبدعوا هذا الغثاء، والإعلام يكذب لأنه يستهتر بعقول الناس والناس تصدق لأنها صارت تافهة وتحب الكذب والتفاهة وتميل إليهما .. ولسان حال الإعلام هو: أنا أستعميك وأنت تحب العمى وتدمنه..
يحكى أن الفيلسوف اليونانى الشهير سقراط اعتاد أن يقف على حجر كبير في زاوية السوق لكى يلقى الخطب فى الناس حول مواضيع مهمة في الحياة والفلسفة ليعلمهم ويصلح من سلوكهم وأفكارهم ، وكان الناس يمرون ويستمعون للحظات ثم يغادرون فلم يشعر بأنهم يهتمون بما يقول ولذلك قرر أن يجرب طريقة أخرى، فأعلن للجمهور أنه سيحكى لهم قصة مسلية ، وعندما اقترب بعض الناس لسماع القصة بدأ يحكى فقال: كان هناك تاجر لديه الكثير من البضائع ولأن قريته صغيرة قرر الذهاب إلى المدينة لبيعها ، فحملها على كتفه وغادر قبل الفجر، كان الطريق الوحيد إلى المدينة يحتم عليه أن يتسلق جبلًا عالياً ، وبينما كان يسير وجد رجلاً آخر على حمار متجهاً إلى نفس المدينة ، فسار التاجر بجوار الرجل وأصبحا صديقين ، ثم طلب منه أن يؤجر له حماره ليحمل بضاعته حتى يصل بها إلى المدينة الأخرى ، وافق الرجل على ذلك مقابل مبلغ معين من المال.
عند هذه النقطة من القصة وجد سقراط أن جمهورًا أكبر قد تجمع حوله للاستماع باهتمام، لدرجة ان معظمهم نسى ما جاء من أجله إلى السوق ، حتى أن الأشخاص الذين اعتادوا القدوم والمغادرة في غضون بضع دقائق، نسوا أيضًا أعمالهم وظلوا في أماكنهم وقد شدتهم الحكاية.
وتابع سقراط قصته: لقد صار عليهما أن يتسلقا الجبل شديد الانحدار للوصول إلى وجهتهما، فوضع التاجر بضاعته على الحمار وبدأ رحلته في الصباح، كان من السهل المشي في الصباح، ولكن بمرور الوقت وحلول التعب بهما أصبح من الصعب عليهما تسلق الجبل،وعندما أشرقت الشمس فوق رأسيهما قررا أخذ قسط من الراحة.
لاحظ سقراط الآن أن المزيد من الناس قد تجمعوا حوله فى دائرة كبيرة وقد جذبتهم القصة
فأكمل قائلاً : كان الوقت ظهرا وكانا متعبين، فقررا أخذ قسط من الراحة، لكن لم يجدا أشجاراً أو ظلاً ليحتميا به من حر الشمس سوى ظل الحمار الذي يحمل البضاعة ، ولم يكن ظل ذلك الحمار سوى مساحة تكفى رجلاً واحدا ، فأخبر صاحب الحمار التاجر أن ظل الحمار له لأنه صاحب الحمار، لكن التاجر احتج قائلاً إنه إستأجر الحمار فالظل من حقه هو.
فقال صاحب الحمار لكنى أجرت لك الحمار فقط وليس الحمار والظل، فقال له : لا يا خفيف الظل انما الظل هو ظل الحمار وأنا استأجرت الحمار فيكون الظل لى ، فاشتد بينهما الجدال من أجل ظل الحمار
عندئذ تضاعف تجمع الناس حول سقراط لكنه توقف عن الحكى فجأة ونزل من على الحجر الذي كان واقفًا عليه وترك الناس وانصرف ، فتبعه الناس متعجبين وطلبوا منه أن يكمل القصة، وتظاهر هو بعدم الانتباه لهم واستمر في المشي مبتعداً، لكنهم لاحقوه وهم يتصايحون غاضبين لابد من إكمال القصة حتى نهايتها ، حتى أن بعضهم راح يتوسل إليه : نريد أن نعرف نهاية الحكاية ، فتوقف سقراط عن المشي والتفت إليهم وقال بمرارة : لطالما تحدثت إليكم أيها الناس عن أشياء مهمة وخطيرة مثل الحياة والعدل والحق والجمال فلم تعيرونى أي اهتمام، وعندما بدأت في سرد قصة تافهة ومختلقة عن حمار وظلّه، أصبحتم متشوقين جدًا للاستماع، أنتم تهتمون بالأشياء التافهة وتتجاهلون الأشياء المهمة في الحياة.
انتهت قصة سقراط بما أفادته من جهل الناس وتفاهتهم والحقيقة أنه عندما نضرب مثالاً بقصة من زمن سقراط الذى ولد عام 470 قبل الميلاد فهذا يعنى أن التفاهة قديمة قدم التاريخ
وفى التاريخ العربى كان غياث بن ابراهيم كذاباً وضاعاً للحديث ذا وجاهة ولسان.. مدعياً العلم .. ويزعم أنه يحفظ الأحاديث ويرويها…. فكان الناس يتجمعون حوله فيحدثهم بالأعاجيب وهم لجهلهم يصدقون كل مايقول ..رآه رجل ذات يوم يأكل الخبز على قارعة الطريق .. فقال له : ألا تستحي من الناس ياغياث؟ فقال باستهزاء : وأين هم الناس؟
قال : هؤلاء الذين اجتمعوا لك.
قال : هؤلاء ليسوا ناساً يا أخى.. هؤلاء بقر.. وإذا أردت أن أثبت لك فتعال معي.. ثم ذهبا.. فجلس غياث في مجلسه وبدأ يحدث الناس عن الجنة ووصفها.. وهم يستمعون منصتين.. فلما رأى تفاعلهم معه.. اخترع حديثاً من عقله وقال لهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من استطاع منكم أن يلمس أرنبة أنفه بلسانه دخل الجنة ، فما بقى منهم رجل إلا وأخرج لسانه ليلمس به أنفه ، فالتفت غياث إلى صاحبه وقال له : ألم أقل لك إنهم بقر؟
لقد بالغ غياث هذا فى وصف تفاهة الناس إلى حد نعتهم بالبقر لكن الفكرة عموماً حقيقية ، ودعنا نتساءل ماذا إذا تصادف ظهور العالم مجدى يعقوب والمطرب النجم التافه فلان فى مكان عام فعلى من تظن سيتجمهر الناس لالتقاط الصور ..!!؟؟
للأسف الناس أصيبوا بالتفاهة فيجب إهمال رأيهم الامارحم ربي … والسؤال كيف تمكنت التفاهة من الناس لهذا الحد ؟