مقالاتمنوعات

أمريكا العربية المتحدة !!

أمريكا العربية المتحدة !!

مقال بقلم : حسام العادلي 

سقوط الأندلس لم يكن مجرد نهاية لحكم العرب فى أوروبا، بل كان بداية لتحول عالمى كبير، إذ مهد الطريق لرحلات الاستكشاف الإسبانية التى قادت إلى اكتشاف أمريكا عام 1492. ففى نفس العام الذى سقطت فيه غرناطة، آخر معاقل المسلمين فى الأندلس، انطلقت سفن كولومبوس تحت راية الملكين الكاثوليكيين، لتصل إلى العالم الجديد وتبدأ مرحلة تاريخية جديدة قوامها السيطرة والاستعمار. لكن ماذا لو كانت الأمور قد سارت فى اتجاه مختلف؟ ماذا لو لم تسقط الأندلس أو لو أن العرب، فى ذروة حضارتهم وعلومهم الجغرافية والملاحية.

 

 

هم من بادروا بعبور الأطلسى واكتشاف القارة الأمريكية قبل الإسبان؟ تخيّل عالمًا بدأت فيه الحضارة العربية الإسلامية فصلًا جديدًا على أرض جديدة، تمتلك إمكانيات جغرافية هائلة، من سهول الأرجنتين الخصبة إلى جبال الأنديز الشاهقة، ومن أنهار الأمازون الهائلة إلى سواحل المكسيك الدافئة. العرب فى تلك الحقبة كانوا أهل حضارة، وأصحاب نظم إدارية متقدمة، وتجارب معمارية وهندسية راقية، وشبكات تجارة معقدة تربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. لو وصلت طلائع عربية إلى سواحل القارة الأمريكية.

 

لأُسست موانئ جديدة تربط الغرب الأمريكى بالخليج والمحيط الهندى، ولربما ظهرت مدن مزدهرة تجمع بين العمارة الإسلامية والتقاليد المحلية، وتمتزج فيها النقوش العربية بروح المكان الجديد. الأرض الغنية بالمعادن والنباتات النادرة، والغابات الواسعة، والمناخات المتنوعة، كانت ستمثل للعرب فرصة لتوسيع معارفهم الزراعية والصناعية والطبية، ولأضيفت نباتات مثل الذرة والطماطم والكاكاو إلى عالم المطبخ العربى مبكرًا، وربما أصبحت أساسًا لاقتصادات جديدة تُدار من حواضر عربية فى القارة الجديدة.

 

التخطيط الحضرى الذى عُرف به العرب فى قرطبة وفاس والقاهرة وبغداد، كان يمكن أن يظهر فى مدن بأسماء مثل «البصرة الجديدة» أو «الموصل الغربية»، حيث تتقاطع الأسواق، وتُبنى المدارس والمراصد والمكتبات. وكان من الممكن أن تنشأ حركة ترجمة جديدة، تعكف على دراسة لغات السكان الأصليين، وتسجل المعارف الطبيعية والفلكية المتوارثة عندهم ضمن منظومة المعرفة العربية، كما حدث سابقًا مع كتب اليونان والهند.

 

على المستوى السياسى، كان من الممكن أن تظهر إمارات أو ولايات عربية فى العالم الجديد، تدير هذه الأراضى الغنية ضمن شبكة متصلة بالعالم الإسلامى، وقد يكون للعرب وجود استراتيجى على جانبى المحيط، ما يجعلهم روادًا مبكرين للعالمية الحديثة. الإمكانيات الجغرافية لأمريكا كانت ستمنحهم موارد ضخمة، من الذهب والفضة، إلى الأخشاب النادرة والمياه الوفيرة، وكلها كانت ستغذى نهضة مستمرة لمجتمعات عربية جديدة تتكيف مع البيئة وتطوّعها.

 

هذه الفرضية لا تُعيد فقط تخيّل تاريخ العالم، بل تكشف أن امتلاك المبادرة، والرغبة فى الاكتشاف، والجرأة فى خوض المجهول، كانت عوامل حاسمة، وأن العرب لو استمروا فى زخمهم الحضارى والملاحى، ربما كانت أمريكا اليوم جزءًا من خريطة ثقافية عربية ممتدة من المحيط إلى المحيط. هذا الاحتمال لا يعيد فقط تخيل التاريخ، بل يضع أمامنا سؤالًا أعمق: ماذا خسر العالم حين توقفت الحضارة العربية عن التوسع والاكتشاف؟ لو حافظ العرب على روح المغامرة والانفتاح، لربما كانت أمريكا اليوم هى العربية المتحدة التى تتحدث وتتنفس منجزات حضارية مختلفة تمامًا عمّا نعرفه اليوم. إن التاريخ البديل لا يغيّر الماضى، لكنه يلهم الحاضر ويدفعنا للتفكير فى المستقبل من زوايا غير مألوفة.

الكاتب حسام العادلي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى