بستاشيو وليس فستق

بستاشيو وليس فستق
كتبت / روشان صفا
في الآونة الأخيرة، انتشرت كلمة “بستاشيو” كالنار في الهشيم، وأثارت حيرة الكثيرين حول معناها الحقيقي. بعد البحث، تبيّن للبعض أنها مجرد تحريف لكلمة “فستق”، لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فالكلمة، رغم ثقلها على اللسان وصعوبة كتابتها، تحمل في طياتها دلالة أعمق بكثير من مجرد تشويه لغوي.
اتضح لاحقًا أن “البستاشيو” ليس فستقًا حقيقيًا، بل هو خليط مُغشوش من البازلاء المجففة، وأحيانًا الفول السوداني المصبوغ بالأخضر، ثم المطحون ليُشبه الفستق الحلبي الأصلي في الشكل والرائحة. إنه وهمٌ جميل المظهر، لكنه قبيح الجوهر. كلمة “بستاشيو” أصبحت رمزًا لكل ما هو مزيف في حياتنا: يلمع من الخارج، لكنه فارغ من الداخل.
من قال إن البازلاء يمكن أن تحل محل الفستق الحلبي الأخضر؟ من جرؤ على تزييف هذه الهوية وبيعها للناس على أنها الحقيقة؟ لكنهم، كي يخدعوا الضمائر، أطلقوا عليها اسمًا جديدًا: “بستاشيو”، كي لا يُقال إنها مجرد غشّ صريح.
للأسف، لم يعد “البستاشيو” مجرد خليط غذائي، بل أصبح مرآة تعكس واقعنا العربي المزيف. كل شيء حولنا تحوّل إلى “بستاشيو”: العلاقات، الأصدقاء، المشاعر، النقود، الوظائف، الأحلام، وحتى القيم. صرنا نعيش في زمن الوجوه المزيّفة، والكلام المعسول، والوعود الرخيصة. كل ما نراه برّاقًا يخفي تحته خدعة كبيرة.
في الماضي، كان الزيف استثناءً، أما اليوم فأصبح هو القاعدة. صرنا نتنفس “بستاشيو”، ونأكل “بستاشيو”، ونعيش “بستاشيو”. الأمة العربية لم تشهد زيفًا بهذا الحجم في تاريخها كله. فكل شيء يُباع لنا على أنه “فستق”، لكنه في الحقيقة مجرد “بستاشيو” رخيص.
لذا، لا تتعلق بأحد أكثر من اللازم، ولا تثق بكل ما يلمع، ولا تحلم كثيرًا، فما تراه “فستقًا” قد يكون مجرد خدعة. نحن نعيش في زمن لا يستحق فيه القلب أن ينبض بإخلاص، ولا العقل أن يُفكّر بصدق. زمنٌ صار فيه الأصيل غريبًا، والمزوّر هو الملك.
فهل نستيقظ قبل فوات الأوان؟ أم أن الأجيال القادمة سترث عالمًا من “البستاشيو” لا مكان فيه للحقيقة؟ السؤال الأهم: هل ما زلنا نعرف الفرق بين “الفستق” و”البستاشيو”؟ أم أننا صرنا جزءًا من هذه الخدعة الكبرى؟