منوعات

في رثاء الزهور التي لم تكتمل

في رثاء الزهور التي لم تكتمل

 

شبكة النايل الإخبارية: محمد الجامعي

 

في مساء يغلفه الحزن، حملتني الطرقات إلى مدينة روميني الفرنسية، تلك البقعة التي تنام على مسافة ساعة ونصف من ليون. لم تكن رحلتي نزهة للعين أو متعة للروح، بل كانت قلبًا يسعى لمواساة قلب آخر تشقق من هول الفجيعة – أخي عز الدين الذي فقد فلذة كبده نبيل، وهو في ريعان شبابه، لم يتجاوز من العمر تسعة عشر ربيعًا.

 

ما أقسى الأقدار حين تأتي بغتة، وما أمرّ الفاجعة حين تخطف الأرواح الغضة! فلقد انطفأت شمعة نبيل قبل أن تكتمل إضاءتها، وتناثرت أحلامه كأوراق الخريف قبل أن تؤتي ثمارها. وكأن القدر لم يكتفِ بهذا الألم، فها هو رفيق دربه زياد يصارع بين الحياة والموت، معلقًا على خيط رقيق من الأمل بعد أن اخترقت جسده رصاصة طائشة لا تعرف قيمة الروح.

 

للأرقام أحيانًا لغة خاصة، تتحدث بصمت أعمق من كل كلمات العزاء. فالرقم سبعة عشر أصبح نقشًا على ذاكرة هذه العائلة المكلومة – ففي السابع عشر من نوفمبر، اليوم الذي كان يُفترض أن يكون احتفالًا بميلاد الأم إلهام، أصبح يومًا مطرزًا بالسواد والدموع. وكأن القدر أراد أن يؤكد على رمزية هذا الرقم، فحين عاد الوالدان يحملان جثمان فلذة كبدهما، جلسا على المقعدين 17A و17B، في رحلة هي الأثقل في حياتهما.

 

إن الكلمات تقف عاجزة أمام هول الفجيعة، والعبارات تتبعثر أمام عمق الألم. لكن ليعلم أخي عز الدين وزوجته الكريمة أن الأرواح العظيمة تُختبر بالمحن العظيمة، وأن الصبر سفينة لا تغرق مهما عصفت بها أمواج الحياة.

 

أسأل الله العلي القدير أن يلهم عائلة الفقيد جميل الصبر والسلوان، وأن يحتضن روح نبيل الطاهرة في جنات الخلد، وأن يمنّ على زياد بالشفاء العاجل، ويهبه عودة للحياة من جديد.

 

تقبلوا خالص تعازيّ وعميق مواساتي في هذا المصاب الجلل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى