الانهيار القيمي ،،حين يغيب الضمير وتتحرّر النفوس من الأخلاق
بقلم المحامية هاجر محمد حسني
في السنوات الأخيرة نرى على الساحة جرائم تهزّ القلوب وتُصيب الإنسان بالذهول:
زنا محارم، اغتصاب زوجي، اعتداء على الأطفال، قتل وتمثيل بالجثث، سرقات، سبّ وقذف، تنمّر، تشهير…
مشاهد لم تعد استثناءً بل تتكرر على صفحات الأخبار كأنها أحداث عابرة!
لكن السؤال الأعمق:
كيف وصل المجتمع إلى هذا الحدّ؟
ولماذا تجرّأ الإنسان على حدودٍ كانت تُعدّ يومًا خطوطًا حمراء لا تُمس؟
1. تفكّك الضمير حين يُستبدل القيم باللذة
أخطر ما يهدّد المجتمعات ليس الفقر، ولا الجهل، بل سقوط الأخلاق وانهيار البناء القيمي الذي كان يحفظ الإنسان من نفسه.
وحين يظهر نمط فكري يروّج لفكرة:
“افعل ما تشاء… لا توجد محاسبة… لا توجد قيمة إلا اللذة والمنفعة.”
فإننا أمام تحريرٍ كاملٍ للغريزة دون ضابط، فيتحول الإنسان من كائن عاقل إلى عبدٍ للشهوة بكل معانيها:
شهوة الجسد، شهوة المال، شهوة السيطرة، وشهوة الشهرة.
وكل جريمة نراها اليوم ليست إلا تضخّمًا لوحش داخلي تُرك دون ترويض.
2. تيار فكري يقطع العلاقة بين الإنسان والقيمة
بعض التيارات المادية والإلحادية الحديثة – حتى لو لم يدعُ أصحابها للجرائم – قامت على أساس فكري يقول:
لا وجود لثواب أو عقاب.
لا قدسية للأسرة أو الروابط الإنسانية.
الأخلاق نسبية، تُصنع حسب المزاج والبيئة.
الإنسان ليس عليه مسؤولية تجاه أحد.
هذا النوع من التفكير حين ينتشر في مجتمع، حتى لو بشكل غير مباشر، يُنتج:
إنسانًا بلا جذور… بلا احترام للحدود… بلا إحساس بالذنب.
وحين يغيب الشعور بالذنب، يُصبح كل شيء ممكنًا:
من الاعتداء إلى القتل إلى تشويه الجثة كأن الأمر مجرد “فعل عابر”.
3. ضرب الأسرة… الهدف الأكبر للفكر الفوضوي
الأسرة ليست مجرد مؤسسة اجتماعية؛
هي مصنع الأخلاق، وملجأ الرحمة، وسياج الحماية الأول للأبناء.
لذلك كل فكر متطرّف يَعتبر تفكيك الأسرة “تحريرًا” بينما هو في الحقيقة:
تحرير للغريزة… وتقييد للإنسان.
ومع ضرب مكانة الأب والأم، تحويل الزواج إلى ساحة صراع، نزع القدسية عن العلاقة الزوجية، وتشويه صورة الالتزام…
تتفتت أول خلية في المجتمع.
والنتيجة: فوضى سلوكية وجنسية وأسرية تنتهي في أروقة الجرائم والانحرافات.
4. الانسلاخ عن الهوية… بداية كل سقوط
حين يبتعد المجتمع عن:
دينه ،قيمه ،ثقافته ،ميراثه الأخلاقي
مسؤولياته تجاه الله والإنسان…
ويقترب من فلسفات تقول:
“الدين قيود… الأخلاق خيارات… الشهوات حرية…”
فالانهيار يصبح مسألة وقت لا أكثر.
القيم ليست قيودًا…القيم درع.والإيمان ليس عبئًا…
الإيمان مكابح تمنع الإنسان من السقوط في الهاوية.
5. المسؤولية ليست على الفكر وحده… بل على المجتمع
الفكر المنحرف ينتشر حين يضعف:
التعليم ،دور الأسرة ،الإعلام الهادف ،القدوة،الوعي ،الخطاب الديني الرشيد،التطبيق العادل للقانون
وحين تجتمع هذه العوامل ضد المجتمع، يصبح الشباب لقمة سهلة لتيارات:
العدمية ،اللذة المطلقة ،التحرر من القيم،كراهية الهوية،تمجيد الانفلات
6. كيف نواجه الانهيار القيمي؟
المواجهة ليست بالتخوين أو الصراخ.
إنما بإعادة بناء الإنسان من الداخل.
أولاً: تثبيت المرجعية الأخلاقية
ليس بالضرورة أن يكون الإنسان متدينًا شكليًا، لكن يجب أن يملك مرجعية تحاسبه داخليًا.
ثانيًا: قوة القانون
معاقبة المجرمين بلا تردد، ورفع القدسية عن “المشاهير” الذين يبررون الانحطاط سلوكًا وفكرًا.
ثالثًا: إعلام نظيف
إعلام يعلم، لا يفسد…يرتقي بالعقل، لا يثير الغرائز.
رابعًا: ترميم الأسرة
أب وأم حقيقيان…مودة واحترام…وبيت يصنع القيم، لا يصدّر العنف.
خامسًا: نشر الوعي
توعية المجتمع أن الحرية ليست في كسر الحدود، بل في السيطرة على النفس.
من الآخر…….
ما نراه اليوم ليس مجرد جرائم متناثرة…
إنه انعكاس لأزمة فكرية عميقة، أزمة فصلت الإنسان عن الضمير وعن الله وعن القيم.
إن المجتمعات لا تسقط مرة واحدة، بل تتآكل أخلاقيًا…
وما لم ندرك أن الأخلاق هي آخر حصون البقاء، سنرى ما هو أبشع.
لكن الأمل موجود…
وحين يعود الإنسان إلى هويته، وإلى قيمه، وإلى أخلاقه، يصبح المجتمع أقوى من أي تيار مهما انتشرت

