(خاطــــــرة)

(خاطــــــرة)
بقلم الشاعرة السورية /ثناء أحمد
تَــــــأخَّرنَا عَلَــــــى الحــــــبِّ
___________
أَرجُوكَ يَاصَدِيقِي أَنْ تَفهَمنِي قَلِيلاً، أَنْ تُنصتَ إِلي ..
الحُبُّ فِي مَدِينَتِي، ليسَ سَهلاً كالجريمةِ، كالكراهيَّةِ، كالرَّشوةِ، كالحَسدِ ،كالسَّرقةِ، كالفَسَاد.
الحُبُّ مُعضلةٌ مَدُّهُ قَليلٌ وَ جَزرُهُ كَثِيرٌ، الطَّريقُ إِليهِ لَيسَتْ لَزجَةً، وَمرفَأهُ ليسَ آَمناً .
إِن حَاولْنَا الاقتِرَابَ مِنْهُ، ارتَطَمَتْ السُّحبُ بالسُّحبِ، وَ احتَسَينَا كَأسَ المَرارِ، وَامتَطَينَا مَركبَ الفَضِيحَة.
الحُبُّ فِي هَذِهِ التَّضَارِيسِ المُجعَّدَة يَسكنُ فَقَط بأعمِدَةِ الجَرَائد، هُو تماثيلُ مِنْ شَمعٍ وِمواويلُ رُعَاة، ورُبمَا سَوسَنةٌ اصطِنَاعِيَّة .
وأنَا يَاصَدِيقِي..
فِي هَذَا العَالمِ الغَريبِ ابتَاعُوني أَفكارَهُم الغَبِشَة بعدَ أَن عَانقُوا خَيالاً أَبلَه، وَاغتَصبُوا ثِمَارَ الضَّوءِ، وَمَزَّقُوا ثَوبَ العَفَاف.
وَهَا هُو الحُبُّ يَقطنُ فِي لائحَةِ المَمنوعَات يُشنقُ بكلماتٍ سَماويَّة عَلى جُدرَان الآه في مَقبرةِ الشِّعارات، هَا هُو مُؤطَّرٌ بالخَوف، مُحرَّمٌ فِي قَفصِ تقاليدٍ مَحروقةٍ عَقيمَة، فإنْ أردتَ الولُوجَ إليهِ عليك بحُنجرةٍ مُستعارةٍ مِن دَمعِ اللَّيل وصَقيعِ الجِلد.
أَرجوكَ يا صَديقِي ..
أَنْ تترأَّفَ بحالِي، أَنا لمْ أتعلَّم الحبَّ بَاكراً، فَلا تُمطرنِي بعباراتِ غزلٍ رُخاميَّة، ثمَّ تَخذلنِي فِي مُنتصفِ المَوج، أرجوكَ لا تطهِ أَحلامِي، جَنِّبنِي آثامَ الخَطايا، ودهاليزَ التَّجربة.
دَعني في مَدينة النُّعاسِ عَلى أعتابِ حَواجزِ العَاداتِ الَّتي مازالتْ تَمنعُ تَاءي السَّاكنة من الدُّخولِ لمعجمِ تَنهيداتِ الحُبّ.
دَعني مَع قصائدِ الحُبِّ الورقيَّة، أستمتعُ بما قالُوه، وَ أنسَى مُلاحقةَ قائلِيها للمنَافِي مُجرجرِين الوَجَع .
دَعني مَع كتبِ التَّاريخِ الَّذي نقشَ الحُروبَ فِي مُعظمِ صَفحاتِهِ بَاحثاً عَن السُّلطةِ و المَال مُتذرَّعاً تَارةً بالدِّين وَأُخرى بالوَطن، فِي حين لم أجدْ مَكاناً لحُبًّ نَاجِح.
دَعنِي مَع مَريولِي المَدرَسِيَّ، وَأوراقِي المُبعثَرَة، دَعني مَع ابتزازِ ألمٍ شَربته عَلَلاً ..
يا صَديقي تَأخَّرنَا عَلى الحُبِّ فَتَمهَّلْ باعترافاتَك وَتَيقَّن:
إنَّنا عِندما نُحبُّ نُصَارعُ جَثامِينَ المَاضِي وَمُضَارعَ اللَّعنةِ، عِندمَا نُحبُّ، الكلُّ يُنصِّبُ نَفسَهُ أَمينَاً للرُّسلِ و سَيَّافَاً للشَّرف.
أَتسألنِي عن الشَّرف ؟؟
الشَّرفُ فِي مَدينتي :
هُو ضِمن إطارِ الرَّصاصِ وَالنَّار والرَّشوةِ، اِفعلْ ماتَشاءُ وَستكونُ شَريفَاً، وَلكنْ لا تَزرع قُرنفلةً حَمراء عَلى نَافذةِ الاشتِياق !!.
يا صَديقي تَمهَّل باعترافاتكَ
فإنَّ انكسارَ الحُبِّ عِندِي يُعادلُ هَزَّةً أرضِيَّةً أو رُبَّما سُقوطَ جبلٍ شَامخٍ، فإنْ لمْ تَستطع إِنقاذِي لا تَقتَرب ..
أرجوكَ..
لا تُوهمنِي بالبِدايَاتِ .. البِدايَاتُ لمثلِي ليستْ كُلُّها جَميلةً وَليستْ جَميعُها آمنَة.
أَرجوكَ..
إِنْ لَم تكنْ غَوَّاصَاً مَاهرَاً لاتُشجِّعنِي عَلى الإِبحارِ،
إِنْ لمْ تَستطعْ صِناعَة أَبجدِيَّة الحُبِّ الحَديثةِ لا تُحاولْ أَنْ تُحبّ ..لاتُحَاول.
#ثناءأحمد