اخبار

مرثية الروح: وفلذة الكبد

مرثية الروح: وفلذة الكبد

 

شبكة النايل الإخبارية: محمد الجامعي

 

في عباءة الحزن المخملية، يرسم نزار قباني لوحة فراق تأبى أن تجف ألوانها. فالمو ت الذي خطف توفيق لم يخطف معه ذكراه، بل بقيت شامخة كأعمدة الياسمين في حدائق دمشق.

 

في العاشر من آب، توقف قلب الأمير الدمشقي عن النبض، كما تتوقف فراشة عن الرفرفة بعد أن لامست أشعة الشمس بأجنحتها الرقيقة. لم يكن توفيق مجرد ابن، بل كان قصيدة مشت على الأرض، طويلاً كسنابل القمح، شفافاً كقطرات الندى على ورق الصباح، مرفوع الرأس كصواري السفن التي تشق عباب البحار بكبرياء.

 

وهنا يتساءل الشاعر المكلوم بحرقة: هل الموت رجل أم امرأة؟ سؤال لم يخطر ببال نزار قبل أن يختطف الموت فلذة كبده. لكن الآن، وقد رحل توفيق بملامحه اليوسفية، أدرك الشاعر أن الموت لابد أن يكون امرأة، غازلت خصلات شعر ابنه الذهبية، وأخذته إلى سماوات الغمام قبل أن تظفر به إحدى بنات الأرض.

 

يخاطب نزار تلك المرأة الغامضة بنبرة استسلام مفعمة بالألم: “يا سيدتي التي تخبئين ولدي في غرفة نومك، حيث الستائر من غمام، والشراشف من غمام، والمخدات من غمام… لا اعتراض لي على زواجه منك، فأنا أب عصري يحترم العشق، ويقف مع العشاق في معاركهم جميعاً، لكن من حقي كأب أن أعقد ربطة عنقه في ليلة عرسه.”

 

وهكذا استمر اخونا عز الدين في حواره مع ابنه الراحل نبيل كلما زار المكان الذي سلم فيه توفيق روحه لبارئها، وقد تحول إلى تذكار. ويخاطبه بصمت قائلاً: “أعلم يا ابني أنني تألمت كثيراً لرحيلك.”

 

ويبوح للروح الجميلة بأنها لا تزال تخترق قلبه كزورق من عطر، وأنه رغم رحيلها عنه، فإنه لا يزال يتنفس عطر حضنها. لقد تركته وحيداً في دنيا كانا بالأمس يلتقيان فيها كل مساء لتناول وجبة العشاء.

 

ويعترف اخي عز الدين “لا أخفيك يا ابني، لقد تركتني وحدي كغريب، أمشي بشوق الطفلة التي علمها اليتم كيف تحن للقلب الكبير… كيف توزع على الأطفال أزهار العالم بكل الأصناف… بعد أن مزقت ملابسها الرياح وانهالت عليها الأمطار ومزقها التشرد في مدن المهجر والقهر والخوف.”

 

ويختتم بلحن حزين: “ما الفائدة من إغلاقك نوافذ قبرك، إذا كانت روحك لا تزال عالقة داخل بيتنا على جدران غرفتك؟ انك دائما حضر معنا ، على الطاولة فوق فراشك و في كل زاوية. أسكنك الله جنات الخلد، كنت الابن وكنت الوطن الدي استوطنت به و المكان الذي سكن فيه القلب والوجدان. سيطول المي من أثر فراقك، افتقدتك كثيراً، و أكثر مما تتخيل.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى