Uncategorized

العلاقات العربية الأفريقية.. جذور تضرب في أعماق التاريخ وتحديات تبحث عن شراكة حقيقية

سامي زغدان

 

العلاقات العربية الأفريقية.. جذور تضرب في أعماق التاريخ وتحديات تبحث عن شراكة حقيقية

 

 

ليست العلاقات العربية الأفريقية مجرد جوار جغرافي أو تبادل مصالح عابرة، بل هي علاقة مصيرية تشكلت عبر آلاف السنين. هذه العلاقة، التي شهدت فترات ازدهار وانهيار، تمر اليوم في منعطف حاسم، يحمل في طياته وعوداً بمستقبل مشرق، لكنه لا يخلو من تحديات جسام تهدد بإفساده.

 

لا يمكن اختصار العلاقات التاريخية بين الضفتين في قوافل التجارة العابرة للصحراء، رغم أهميتها في نقل الذهب والعاج والملح. لقد كانت هذه الطرق شرايين لنقل الثقافة واللغة والدين، حيث شكلت الحضارة الإسلامية حلقة وصل حيوية. في غرب أفريقيا، أصبحت مدن مثل تمبكتو وجنّة مراكز إشعاع علمي، rivaling مراكز العلم في العالم الإسلامي آنذاك. وفي شرق أفريقيا، أنتج الامتزاج بين العناصر العربية والبنتوية “حضارة السواحلي” الفريدة، التي لا تزال لغتها وآثارها شاهداً حياً على هذا التفاعل الحضاري العميق.

 

شكلت حقبة الاستعمار الأوروبي صدمة للعلاقات العربية الأفريقية، حيث عملت القوى الاستعمارية على فصل العالمين. لكن مع حصول الدول على استقلالها، شهدت العلاقات دفعة جديدة قائمة على التضامن السياسي، تجسدت في دعم القضايا المشتركة على الساحة الدولية، وكان لمصر دور بارز في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية.

 

اليوم، تشهد العلاقات تحولاً جذرياً. فالدول العربية، وخاصة الخليجية منها، تتجه بقوة نحو الاستثمار في أفريقيا لتحقيق أمنها الغذائي والطاقي. لكن هذا التوجه يثير تساؤلات حول طبيعة هذه العلاقة. فكما يرى الدكتور كواسي ويريه، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة غانا، “بعض الاستثمارات العربية تثير مخاوف من إحياء لنمط العلاقات غير المتكافئة، خاصة عندما تركز على استخراج الموارد الطبيعية دون استثمار حقيقي في البنية التحتية الإنتاجية أو نقل التكنولوجيا.”

 

لا يمكن فهم تعقيدات العلاقة العربية الأفريقية اليوم دون تحليل أزمة سد النهضة الإثيوبي. هذه الأزمة مثلت اختباراً حقيقياً للدبلوماسية المصرية في العمق الأفريقي. فمن ناحية، سعت مصر إلى حشد دعم أفريقي لموقفها، مستعيدةً بذلك دورها التاريخي في القارة. لكن من ناحية أخرى، كشفت الأزمة عن التحدي الكبير الذي يتمثل في ضرورة موازنة المصالح الوطنية مع سياسة “عدم الانحياز” التي تتبناها العديد من الدول الأفريقية في النزاعات بين جيرانها.

 

التحديات والآفاق: نحو شراكة حقيقية

 

تواجه العلاقات العربية الأفريقية عدة تحديات، أبرزها:

 

· عدم الاستقرار السياسي في بعض المناطق الأفريقية.

· مخاوف من “الاستعمار الاقتصادي الجديد” المرتبط بسياسات الاقتراض.

· الصورة النمطية والإرث الاستعماري الذي لا يزال يؤثر على perceptions الطرفين لبعضهما البعض.

 

رغم هذه التحديات، يظل المستقبل واعداً. فالقارة الأفريقية تمتلك ثروة بشرية هائلة وموارد طبيعية غير مستغلة بالكامل، بينما تمتلك الدول العربية رؤوس أموال وتقنيات وخبرات إدارية. لكن النجاح مرهون ببناء نموذج تعاوني قائم على المنفعة المتبادلة الحقيقية، وليس على منطق القروض والتبعية. يجب أن تتحول العلاقة من “زبونة” إلى “شراكة” استراتيجية حقيقية، تحترم أولويات التنمية الأفريقية، وتستلهم من عمق التاريخ المشترك لبناء مستقبل يليق بشعوب الضفتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى