دور المشاركة الفلسطينية في قمة شرم الشيخ للسلام: ضمان الحضور الشرعي وتعزيز المسار الدبلوماسي برعاية مصرية

دور المشاركة الفلسطينية في قمة شرم الشيخ للسلام: ضمان الحضور الشرعي وتعزيز المسار الدبلوماسي برعاية مصرية
✍️كتبه المستشار محمد ماهر مقداد
في هذه اللحظة الفاصلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني والمنطقة بأسرها، تأتي قمة شرم الشيخ للسلام لتشكّل محطة دولية ذات أهمية استراتيجية في مساعي إحلال السلام وإنهاء الصراع المدمّر في غزة.
إنَّ مشاركة الرئيس محمود عباس في هذه القمة ليست مجرد حضور رمزي، بل تشكّل ركيزة أساسية لشرعية التمثيل الفلسطيني، ولإيصال رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن القيادة الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين وأصحاب الأرض والقضية.
كما تعكس هذه القمة الدور المصري التاريخي والمحوري في رعاية مسار السلام والاستقرار الإقليمي، بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي ثبّت مكانة مصر كركيزة أساسية في دعم القضية الفلسطينية، وفاعل رئيسي في صياغة التوازنات الإقليمية والدولية من أجل تحقيق سلام شامل وعادل.
أولاً: ترسيخ الشرعية والتمثيل الفلسطيني الرسمي
في سياق أي مفاوضات أو اتفاق دولي يُعلن أو يُوقَّع بشأن غزة، من الضروري أن يكون للفلسطينيين ممثّلهم الرسمي الذي يتكلم باسمهم، لا أن يُترك الأمر لآخرين، حتى لو كانوا داعمين لحقوقهم.
غياب الرئيس عباس عن القمة قد يُفسَّر داخليًا وخارجيًا بأنه تنازل عن دور القيادة، أو تراجع عن الموقف الموحد للفلسطينيين.
من زاوية دبلوماسية، المشاركة تمنح السلطة الفلسطينية منصة للتأكيد على المبادئ التي تحملها، كحق العودة، والاستقلال، والسيادة على الأرض، ورفض التهميش، وضمان أن أي اتفاق لا يتجاوز الحقوق الوطنية أو يُهمّشها.
ثانيًا: الدور المصري المحوري في رعاية السلام واستقرار المنطقة
إنّ جمهورية مصر العربية، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تواصل أداء دورها المركزي والثابت كضامنٍ ومحركٍ أساسيٍ لمسار السلام الإقليمي والدولي.
فمنذ اندلاع الحرب في غزة، كانت مصر في طليعة الدول التي قادت الجهود المكثفة لوقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية، واحتواء الأزمة ضمن أطر دبلوماسية تحفظ الدم الفلسطيني وتمنع تصعيد الصراع.
لقد أكدت مصر من خلال استضافتها لقمة شرم الشيخ للسلام التزامها التاريخي بدعم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ورفضها لأي حلول أحادية أو مؤقتة تتجاوز الشرعية الفلسطينية.
كما يجسّد الدور المصري العمق العربي والدبلوماسي المسؤول، القائم على مبادئ الحوار، واحترام السيادة، والسعي الدؤوب نحو سلام شامل يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.
إنّ القيادة المصرية تُدرك أن تحقيق الاستقرار الإقليمي يبدأ من إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، وأنّ السلام الحقيقي لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، استنادًا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
ويؤكد الرئيس السيسي في مواقفه وخطاباته أنّ دعم مصر لفلسطين ليس موقفًا سياسيًا فحسب، بل هو واجب قومي وإنساني واستراتيجي نابع من إدراك القاهرة لأهمية الحل العادل للقضية الفلسطينية في صون الأمن الإقليمي ومنع تفجر الأزمات.
ثالثًا: التأثير على صياغة مخرجات القمة وضمان حقوق الفلسطينيين
غالبًا ما تُعدّ القمم الدولية مساحات تُصاغ فيها قرارات أو توافقات تُطرح لتطبيقها لاحقًا. بغياب القيادة الفلسطينية، قد تُشكَّل بعض الصيغ دون مراعاة المطالب الوطنية أو مصالح الفلسطينيين، أو قد تُضمّن بنودًا تُقيّد الحقوق الأساسية.
بمشاركته، يُمكن للرئيس عباس العمل مع مصر والدول الشريكة على تضمين ضمانات فعالة للمراقبة والتنفيذ، وضمان إشراك السلطة الفلسطينية في أي آلية مراقبة أو تنفيذ لوقف إطلاق النار أو لإعادة الإعمار.
كما أن الرئيس عباس، كقائد رسمي، يستطيع أن يطرح التزامات الدولة الفلسطينية أو الاتفاقات التي تلتزم بها شرعًا ودستوريًا أمام المجتمع الدولي.
رابعًا: دعم الجبهة الداخلية الفلسطينية
على الصعيد الداخلي، مشاركة عباس في القمة تُعزّز الثقة بأن القيادة تسعى فعليًّا لتمثيل الفلسطينيين في الساحة الدولية، وأنها ليست غائبة أو هامشية.
كما تُعدّ فرصة للتوضيح أمام الرأي العام الفلسطيني أن أي تسوية أو تفاهمات مستقبلية ستكون بموافقة القيادة المركزية، وليس خلف ظهورها أو دون موافقتها.
هذا الحضور قد يعزّز الوحدة الوطنية إذا وُظِّف بشكل دبلوماسي مدروس، ويقي من محاولات الغياب أو التهميش التي قد تُقدَّم من قِبَل بعض الأطراف.
خامسًا: التأثير على العلاقات الدولية والدعم الإقليمي
إنّ مشاركة الرئيس عباس في القمة تحت الرعاية المصرية تمنح القمة بعدًا عربيًا أصيلًا، وتُظهر وحدة الموقف الفلسطيني والعربي في مواجهة التحديات.
وتبرز مصر هنا كدولةٍ محوريةٍ تمتلك شبكة علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، ما يجعلها الوسيط الأكثر قدرة على ضمان تنفيذ أي اتفاق سلام أو تهدئة وفق رؤية تحفظ الحقوق الفلسطينية.
كما يُعيد هذا الدور المصري الثقة بالعامل العربي كضامنٍ أساسيٍ للسلام، ويؤكد أهمية التضامن العربي في الدفاع عن القضايا المركزية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
سادسًا: الإسهام في توازن القوى الإقليمي والدولي
لن تكون القمة مجرد اجتماع رمزي، بل هي منصة للتوازن السياسي والدبلوماسي في ظل التوترات الإقليمية. وجود الفلسطينيين على الطاولة يساهم في إحداث توازن يمنع أن تُفرَض رؤى أحادية دون مشاركة أصحاب المصلحة المباشرة.
وحضور الرئيس عباس يعكس ثقة القيادة الفلسطينية في قدرتها على الحوار والمفاوضة ضمن الأطر الدولية، ويُظهر استعدادها للتعاون مع مصر والدول الراعية للسلام من دون أن تتنازل عن الخطوط الحمراء الوطنية.
إنّ مشاركة الرئيس محمود عباس في قمة شرم الشيخ للسلام ليست رفاهية دبلوماسية، بل ضرورة استراتيجية وطنية.
فبدون هذا الحضور، قد تُصاغ مخرجات لا تراعي جوهر القضية الفلسطينية، بينما المشاركة تضمن أن تبقى الشرعية الفلسطينية حاضرة في كل تفاصيل المسار السياسي.
كما تؤكد هذه القمة أن مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما زالت ركيزة السلام والاستقرار في المنطقة، توازن بين الواقعية السياسية والالتزام القومي تجاه فلسطين، وتعمل بثبات على إعادة الاعتبار للمسار السياسي القائم على العدالة والحقوق الثابتة.
إن قمة شرم الشيخ للسلام، برعاية مصرية ومشاركة فلسطينية فاعلة، تمثل فرصة لإعادة إطلاق المسار السياسي على أسس جديدة، تُنهي معاناة الشعب الفلسطيني وتفتح صفحة جديدة من الأمل في إقامة دولته المستقلة، بما يعيد التوازن والأمن إلى المنطقة بأسرها.